يوميات الثورة- كتب الخبير الإستراتيجي صادق العامري - 13يوليو
سبق القول ان العودة مرهونة بعوامل أهمها موازين القوة على الأرض, ومن المتوقع ان تحدث متغيرات هامة تغير مجريات الأحداث وتنسف الجمود الراهن لصالح الثورة , الأمر الذي قد يجعل من عودة صالح مخاطرة وانتحار , ولا نريد ان نستبق الإحداث قبل وقوعهايمكن القول ان تلك العناوين الثلاثة تمثل سيناريو...هات العودة و اللا عودة باعتبارها تعكس رغبات مختلف الأطراف
السيناريو الأول : العودة من اجل التوريث من خلال صيغة سعودية الأفكار , هذه الصيغة تعتمد على الشراكة والتقاسم بين المعارضة من جهة ومن الجهة الأخرى أبناء صالح والمقربين من البلاط السعودي بحيث يبقى أقرباء صالح في مواقعهم , وهذه الشراكة او التقاسم الذي تحدث عنه الرئيس صالح في أول ظهور له بعد حادث النهدين , هو في حقيقة الأمر مشروع سعودي تحاول السعودية فرضه , وتنفيذه بتدرج ممرحل لكنه في الأخير يفضي الى سيطرة جديدة لأقرباء صالح على مقاليد الحكم , ومن ثم عودة السيطرة السعودية الكاملة على اليمن ويمكن تقسيم هذا المشروع الى المراحل التالية :
- المرحلة الأولى وتهدف إلى نزع فتيل التوتر وإعادة الاستقرار من خلال إيهام المعارضة والثوار بان رحيل صالح يعني رحيل النظام وان الثورة قد حققت أهدافها , لكن الأمر لا يعدو عن كونه توافق على صيغة تشاركية بين الجديد القادم وبين النظام السابق وهذه الشراكة تتجاوز المرحلة الانتقالية الى ما بعدها بحيث تتحول مراكز النفوذ الى محاصصة دائمة تضمن للسعوديين توازن يسمح لهم بتغليب طرف على الأخر بحسب السياسية السعودية . وهذا يعني ان الانتخابات والديمقراطية ودولة الحداثة ستكون محكومة بتلك المحاصصة , الأمر الذي يجعل من الديمقراطية اسم بلا مضمون حقيقي ملموس ومؤثر
- المرحلة الثانية تقضي بإتاحة الفرصة لأحمد على عبدالله صالح بالتهام أجزاء من حصص الآخرين وبصورة مستمرة , وربما يشمل ذلك مسلسل اغتيالات وتصفيات بذات الطريقة التى تخلص بها والده صالح من خصوم السعودية, يعني تكرار نفس نموذج تمكين صالح في السابق
- المرحلة الأخيرة عودة اليمن إلى حظيرة السعودية مرة أخرى
وبطبيعة الحال سيغلف هذا السيناريو بمصطلحات الشراكة على أساس ديمقراطيا ليمن جديد واعد بالخيرات وبالدعم السعودي وتدفق الأموال سيبدو الأمر كذلك إلى حين , بحيث يشعر المواطن العادي ان الوضع قد تحسن , وهو لا يعلم ان الأمور ستعود إلى ما كانت عليه في عهد صالح ,
هذا السيناريو بات مكشوفا أمام المعارضة ,ولذلك هي تصر على شراكة في المرحلة الانتقالية مع حزب المؤتمر جناح الارياني وهادي في إطار الإسهام المشترك لبناء دولة ديمقراطية حديثة تعكس تطلعات أبناء الشعب اليمني عموما , وترفض استبقاء أقرباء صالح و أركان حكمه المتورطين في سفك الدماء وقتل الأبرياء ,
ما سبق ذكره يجعل السيناريو الأول غير مقبول بصيغته السعودية , في الوقت الذي تبذل السعودية قصارى جهدها لتمرير مشروع الشراكة الذي يعيد اليمن إلى بيت الطاعة, لكن واقعا صعبا أعاق ولا يزال يعيق تحقيق المشروع السعودي , فالثورة خلقت واقعا جديدا أمام السعودية أدى الى تفكيك أدوات التأثير السعودي في الداخل فالكثير ممن كانوا محسوبين على السعودية في مختلف المواقع - قوى قبلية واجتماعية وسياسية وعسكرية كل هؤلاء ناصروا الثورة ولن يساوموا عليها مطلقا , هذا الأمر كسر قوة الإرادة السعودية في الداخل اليمني التي صنعتها لسنوات وانهارت في شهور الثورة , فلم يعد أمام السعودية من رهان الا أبناء صالح وقواتهم العسكرية هم أداة الضغط المدعومة في اللحظة الراهنة , أما موقف أمريكا من هذا السيناريو , فيبدو أنها لا تعارضه اذا مر بسلام , فالموقف الأمريكي يراعي ويعكس المصالح المختلفة للولايات المتحدة مع السعودية في المقام الأول, أما في حالة ان يشكل هذا الموقف إحراج لأمريكا فستظل تراوح عبر المواقف المطاطية المتعارف عليها بالدبلوماسية الناعمة , كما هي ألان ,
وأمام هذا كله ستشكل صلابة موقف الثوار واستمرارهم حجر الزاوية في صد مشاريع التأمر , وكل الإطراف تدرك تأثير الفعل الثوري الشعبي , وتدرك السعودية على وجه التحديد خطورة استمرار الفعل الثوري على مشروعها ,ولهذا لم يكن الثوار ببعيدين عن التأمر السعودي المباشر خلال فترة غياب صالح , حيث شكلت هذا الفترة بالنسبة للسعودية مرحلة تفكيك الثورة بخلق ثورة مضادة نابعة من مصدرين الأول الأزمات العامة في الخدمات والمواد الأساسية والثاني خلق أزمة بين مكونات الثورة نفسها بحيث تنطلق ثورة مضادة من قلب الثورة نفسها تؤدي إلى صراع داخلي يجعل تلك المكونات تتشظ إلى مجموعات تتبادل تهم التفريط والخيانة , إلا ان المدة المحددة لذلك انتهت دون ان تحقق ثمار فارقة ومؤثرة على مسار الثورة , فلم تفلح الأزمة العامة في خلق ثورة مضادة ذات تأثير يغير مجريات الأحداث , ولا استطاعت الأزمة المفتعلة داخل الثورة ان تفكك مكونات الثورة إلا بصورة محدودة , مع استثناء حالة النقد باعتبارها ظاهرة صحية , بعد هذا الفشل الذريع لم يكن أمام السعودية من خيار سوى إظهار صالح , لتبدأ بذلك الظهور مرحلة جديدة
إلى اللقاء مع السيناريو الثاني والثالث في الحلقة المقبلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق