أصدر المرجع الإسلامي الإمام الشيخ حسين المؤيد ، اليوم
الجمعة ، بيانا رد فيه على ما جاء في بيان جمعية علماء اليمن الموالية لنظام الرئيس
اليمني علي عبد الله صالح .
و هذا نص بيان الإمام المؤيد :
" وبعد - فقد اطلعنا على بيان
جمعية علماء اليمن الصادر بتاريخ 29-9-2011 و الذي جاء دفاعا عن النظام المرفوض من
أغلبية الشعب اليمني, والمعبر عن موقف سلبي من الثورة الجماهيرية الحقة للشعب المتطلع
الى الكرامة والعدالة و الازدهار .
وقد آلمنا موقف جمعية علماء اليمن
حيث خرج عن السياق الذي يجب أن يسير عليه العلماء في نصرة المظلومين و تأييد المطالب
العادلة , و الوقوف في الطليعة للدفاع عن الأمة ومحاربة الظلم والفساد و مواجهة الظالمين
والمفسدين .و زاد في ألمنا وغضبنا لله تعالى محاولة جمعية علماء اليمن تطويع الدين
الحنيف للدفاع عن نظام فاسد مستبد , و إدانة ثورة جماهيرية سلمية تطالب بالتغيير من
أجل الكرامة و العدالة , فجاء بيان جمعية علماء اليمن تشويها لتعاليم الدين و إساءة
الى الشريعة المقدسة التي يعتبر رفض الظلم و الفساد و مواجهتهما من أهم دعائمها و أبرز
معالمها .إن واجبنا الديني يحتم علينا الدفاع عن الشريعة الإسلامية المقدسة و إيضاح
الحقائق الشرعية و إزالة الشبهات التي يثيرها بيان جمعية علماء اليمن و دفع تشويهه
للشرع سواء أكان مقصودا أو ناشئا من قصور علمي وهو في كلتا الحالتين مؤشر خطير على
مستوى هذه الجمعية يدعو الى التحفظ مما يصدر عنها باسم الدين و العلم .ومن هذا المنطلق
نريد بيان ما يلي :-أولا :- إن الثورة التي قام بها أبناء الشعب اليمني لا تنطبق عليها
النصوص الشرعية المانعة من الخروج على ولي الأمر , لأن تلكم النصوص واردة في الموارد
التالية :-
1- الخروج على الحاكم الذي تتوفر
فيه المواصفات و الشروط الشرعية .
2- خروج فئة محدودة لا تمثل الجماعة
و لا تعبر عنهم .
3- الخروج لمجرد الإختلاف في الرأي
و الإجتهاد .
4- الخروج رغبة في السلطة أو بدوافع
ذاتية أو فئوية محضة
5- الخروج لمجرد صدور أخطاء من ولي
الأمر لا تؤثر على السياق و النهج العام له و لحكمه و إنما تأتي في سياق عمله في سدة
الحكم و كإنسان في معرض الزلل و الخطأ.
إن ثورة الشعب اليمني هي خروج الجماعة
بأغلبيتها على نظام مستبد فاسد تسلط على رقاب الشعب اليمني عقودا من الزمن ارتكب فيها
المفاسد تلو الأخرى , و تمكن فيه المفسدون , و سار بسياسة منحرفة, و لا تتوفر في رأسه
الشروط الشرعية و الموضوعية للحكم , و ثبت للناس كذبه في وعوده , و الطريق مسدود أمام
الإصلاح بوجوده , و لما خرجت المظاهرات السلمية معترضة على جور النظام و فساده آمرة
بالمعروف و ناهية عن المنكر بطريقة سلمية بادرها النظام الذي أخذته العزة بالإثم بالعنف
, و أوغل في الناس ترويعا و قتلا .و عليه فإن ثورة الشعب اليمني ليست من الخروج الممنوع
عنه , و إنما هي ثورة شرعية منسجمة مع تعاليم الشريعة التي حرمت الإستسلام للظلم و
الظالمين فقال تعالى : ( و لا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) , و حرمت طاعة
المفسد و المنحرف فقال تعالى : (و لا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض و
لا يصلحون ) فنهض الشعب اليمني مع نخبته الطيبة كما أمر الله تعالى إذ قال في كتابه
الكريم : ( و لتكن منكم أمة يدعون الى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و
أولئك هم المفلحون ) , و جاءت ثورة الشعب اليمني متسقة مع ما قرره الفقه الإسلامي من
وجوب منع وقوع ما يهتم الشارع بعدم وقوعه بين الناس لاسيما الظلم و الفساد , و من المعلوم
اهتمام الشارع بعدم وقوع الظلم و الفساد في المجتمع , قال تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا
بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط ) , فقد دلت هذه الآية
الكريمة على مبلغ اهتمام الشارع بعدم وقوع الظلم و الفساد حتى أنها ذكرت قيام المجتمع
بالقسط و العدل سببا لإرسال الرسل و إنزال الكتب و الميزان . و قد صرحت آيات أخرى برفض
الشارع للفساد , قال تعالى : (و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل
و الله لا يحب الفساد ) و قال تعالى : (لقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ) , و
قال تعالى : ( و الله لا يحب الظالمين ) , و قال تعالى : ( و الله لا يحب المفسدين
) .و عليه فإن وجود نظام ظالم فاسد يسير في المجتمع بسياسة ظالمة مفسدة يصطدم مع مقاصد
الشريعة الغراء و مع ما يهتم الشارع بعدم وقوعه في المجتمع , فيكون التصدي له و تغييره
من أجل قطع دابر الظلم و الفساد واجبا شرعيا . و قد علم من الشرع الحنيف أنه لا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق , و ليس لولي الأمر من طاعة إذا كان ظالما مفسدا يقوم نظامه
على الجور و الفساد . و لا يعد الخروج عليه بغيا , بل هو لون من الجهاد و هو أمر بالمعروف
و نهي عن المنكر , و رفع للمنكر الذي لا يرضى الشارع بوقوعه في المجتمع .
ثانيا :- من العجيب أن يدين بيان
جمعية علماء اليمن أغلبية الشعب و يدعوهم ليكونوا مع الجماعة و يعتبرهم سببا في إراقة
الدماء , مع ان الثوار هم الجماعة و هم الذين تظاهروا سلميا , و يسكت البيان عن جرائم
النظام و هو الذي بادر الى سفك الدماء في مواجهة تظاهرات و اعتصامات سلمية ارتضتها
أغلبية الشعب اليمني من أجل إنهاء واقع الفساد و التخلف و الإستبداد , و نيل الحرية
و الكرامة و العدالة السياسية و الإجتماعية .
ثالثا :- إن وجود الرئيس الحالي في
سدة السلطة لم يكن إلا بناء على الأصوات التي أعطيت له لتحقيق برنامج وعد الناس به
إذا تم التسليم بنزاهة الإنتخابات , فاستلم السلطة بحكم هذا التفويض , ومن حق الناس
أن تسحب تفويضها له بعد أن وجدته مخالفا لما فوضته السلطة لأجله من أهداف و برامج
, غير آبه بالوعود التي قطعها لهم , فتسقط بذلك شرعية سلطته و لايجوز له الاستمرار
في السلطة رغما على إرادة الأمة , و لا وضع شروط للتنحي , و لا أن يفرض على الناس إعفاءه
من المحاسبة على ما ارتكبه من خلال محاكمة عادلة . و لايجوز له مواجهة الناس بالقوة
عبر رهطه و حفنة من أقاربه و المنتفعين منه . إن ذلك كله يزيد في عدم شرعيته , و يعطي
للناس الحق في التصدي له .
و ختاما .. أقول لجمعية علماء اليمن
: عليكم أنتم بتقوى الله عز و جل قبل أن تأمروا بها من أنتم أحق منه بالائتمار بالتقوى
, و لا تبيعوا دينكم بدنيا غيركم و لا تركنوا الى الظالمين و المفسدين , و كونوا أنصارا
للحق , كونوا للظالم خصما و للمظلوم عونا , فالشعب اليمني باق و الطغاة الى زوال ,
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا , و قفوا الموقف الذي تسكن اليه ضمائركم أمام الله و
الشعب و التاريخ .و أقول لأبناء الشعب اليمني الثائر الصامد : لا تضعفوا أمام الشبهات
التي تقال باسم الدين , فتعاليم الشرع الحنيف واضحة و معالمه لائحة , و قد تركنا رسول
الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ
عنها إلا هالك , فاثبتوا على الحق متمسكين بهدى الشرع حتى يأذن الله بنصره و حينئذ
يفرح المؤمنون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق