الجمعة، أغسطس 19، 2011

المجلس الوطني .. المسار التاريخي والدلالات


يوميات الثورة/كتب - صادق العامري
 19 أغسطس، 2011‏، جلبت الوحدة في عام 90م التعددية السياسية معها كإفراز طبيعي للواقع الجديد , إلا ان صالح قبل بالتعددية على مضض لإدراكه ان التعددية تعني التداول السلمي للسلطة , وكعادته يقبل ثم ينقلب ويحتال ويفرغ المضمون و يحتفظ بالشكل, ومنذ عام90م الى حرب صيف 94م شهدت اليمن خلال هذه الفترة نشاط سياسيا غير مسبوق واتسمت بحرية الصحافة والتعبير عن الرأي , إلا ان القوى السياسية لم تكن بالنضج الكافي للحفاظ على مكتسبات التعددية , حيث شهدت الساحة السياسية ميلاد أكثر من مائة حزب , ودخلت الأحزاب في صراعات و مكايدات , الأمر الذي منح صالح الفرصة اللعب على تباينات الاحزاب , وصراعها المحموم , فاخذ صالح يضرب زيد بعمرو ليتمكن من الانقضاض على الكل لاحقا , و أسفر الصراع الذي أججه صالح إلى خروج الحزب الاشتراكي من السلطة ودفع به خراج دائرة الشراكة عقب حرب 94م , وبعد ان تخلص صالح من شراكة الاشتراكي , نقل معركته صوب الإصلاح, وابتداء صالح في تقليم أظافر الإصلاح استعدادا لكسر عظمه ,
 أدرك الإصلاح انه أوكل يوم أوكل الاشتراكي , الحزب الاشتراكي لم يكن بالضعف الذي يمكن صالح من القضاء عليه نهائيا, ورغم الضربات القاسية التي نالها الاشتراكي , الا انه  استمر في لعب دوره الوطني  متماسكا صلبا , بصورة مذهلة , لما له من رصيد نضالي وبنية قاعدية تحطمت عليها إغراءات نظام صالح , اتسمت هذه المرحلة بنضوج سياسي وحقوقي عند أقطاب المعارضة , إلا انها لم تتمكن من كبح جموح الحزب الحاكم الساعي إلى ابتلاع الهامش الديمقراطي , وخلق ديمقراطية مهندسة تعمل آلياتها على إعادة إنتاج الأغلبية الكاسحة للحزب الحاكم , وفي عام 2004م شهدت الحياة السياسية تحولا تاريخيا , بميلاد تكتل أحزاب اللقاء المشترك , ومثل ميلاد المشترك صدمة لنظام صالح , وبذل كل جهوده لتفكيك المشترك دون جدوى, لان المشترك جاء  نتاج لوعي سياسي بضرورة الإصلاح السياسي الشامل ولا يهدف الى التقاسم و المحاصصة , وكان المشترك يدرك طبيعة النظام وأساليبه في مواجهة خصومه السياسيين , لذلك استطاع الإفلات من كل المؤامرات والدسائس لنظام صالح ,
 كان المشترك حينها يمثل الصيغة المناسبة لمواجهة صلف النظام , باعتباره خطوة أولية وأساسية لمراحل قادمة ستشهد صراعا محموما مع النظام , وفي مرحلة لاحقة عمل المشترك على استقطاب قوى سياسية واجتماعية ومنظمات مجتمع مدني في إطار صيغة تحالفيه تهدف الى السعي نحو إصلاح الأوضاع وإجبار النظام على الإذعان لمطالب إصلاح النظام , و بذلك تشكلت لجنة الحوار الوطني لتكون ساحة للنضال السياسي  تضم رجال السياسية والفكر والعلماء و الأكاديميين ومختلف فئات المجتمع و شرائحه  بهدف خلق إجماع وطني حول مشروع الإصلاح الشامل , ودشنت لجنة الحوار أعمالها ,  وبدأت ببرنامج تصعيدي , وكانت  أخر فعليه سياسية جماهيرية فيما سمي بهبة الغضب , تزامنت الفعالية مع سقوط نظام بن على , ومؤشرات سقوط مبارك, مما جعل تلك الفعالية تحظي بزخم جماهيري غير مسبوق , وكان  ملاحظ ان ثمة تباين بدا واضحا بين خطاب النخبة السياسية في  منصات الفعاليات في كل المحافظات وبين شعارات الجمهور , ففي الوقت الذي كانت المنصات تتحدث عن عمليات الإصلاح كان الجمهور يهتف بالرحيل بصوت مسموع , حالة التباين هذه دفعة بالشباب إلى الخروج صوب الشارع و إعلان طلب الرحيل , جسد هذا الموقف الشبابي الرائع قفزة على خطط  المشترك وحلفائه ,
 ومع  استمرار تلك الاحتجاجات لم يجد المشترك وحلفائه مفرامن التنازل عن تلك الخطط  و الالتحاق بركب شبابهم  الطامح للتغيير , ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات وانضمام قوى سياسية وقبلية وعسكرية , ومستقلين الى ساحات الحرية في مختلف المحافظات , فان الصيغة ألتحالفيه  للجنة الحوار الوطني لم تعد مواكبة للتطورات وما أفرزته من واقع جديد يستلزم تكوين صيغة جديدة تجمع كل قوى الثورة , إلا ان   تسارع الأحداث ودخول وسطاء حاملين معهم مبادرة الخروج لنظام صالح , أدى ذلك الى عدم تشكل إطار جامع لقوى الثورة , ومثل عدم تشكل ذلك الإطار ثغر و ثلمة في جسد الثورة خصوصا بعد رفض صالح المتكرر التوقيع على المبادرة , الأمر الذي جعل قوى الثورة تعبر عن مواقف متباينة ومتناقضة إلى حد الاختلاف , هذه المواقف المتباينة أوجدت شك  لدي الخارج في قدرة قوى الثورة على خلافة نظام صالح , مما جعلها تتريث في مواقفها وأحيان تتناقض صعودا وهبوطا إلى حد الاختفاء والتواري,

بالإضافة الى ذلك شكل غياب الإطار الجامع لقوى الثورة حالة من العجز في الاتفاق على برنامج يسانده الجميع لاستكمال إسقاط النظام , الأمر الذي خلق حالة من الضبابية والغموض تكتنف المشهد, وتعددت الأطروحات والأفكار , فظهر من  يطالب بالحل العسكري ويدعوا الجيش المؤيد للثورة للحسم والخروج من صمته, فيما يطالب آخرين بضرورة التصعيد السلمي والزحف إلى القصر الجمهوري , وغيرهم يرى بضرورة ممارسة الضغوط على المجتمع الدولي والإقليمي لإقناع صالح بالتوقيع على المبادرة , وأخير توحدت المواقف على ضرورة تشكيل مجلس وطني  يقود قوى الثورة نحو استكمال إسقاط بقايا النظام بوضع برنامج عملي ممنهج يفضي الى تحقيق عملية الإسقاط , وفعلا تشكل المجلس الوطني ,
 دلالات تشكل المجلس الوطني
-         للمرة الأولى في تاريخ اليمن تجتمع مثل هذه النوعيات والكوكبة من رجال اليمن في مجلس واحد وذلك يحمل رسالة واضحة للقوى الإقليمية الداعمة لنظام صالح والمجتمع الدولي , مفادها ان الثقل اليمني بكل أطيافه  توحد لانجاز عملية إسقاط نظام صالح 
-        وباجتماع هؤلاء كلهم تحت مظلة المجلس الوطني  لن تمر أي مشاريع تعتمد على أنصاف الحلول و ليس هناك مجال للعود الى الوراء , والرفض المطلق  لصيغة الشراكة مع  عائلة صالح والتى تمثل خيارا سعوديا صالحيا مشتركا, وعلى السعودية وصالح إعادة حساباتهم وفق الممكنات على ارض الواقع
-         ان اليمنيين قادرين على  الاتفاق و إعادة الاستقرار لليمن في مرحلة ما بعد صالح
-         اجتماع كل تلك القوى سيمنح الفعل الثوري والسياسي دفعة قوية في اتجاه الحسم , وهذا لا يعني ان غدا او في القريب العاجل سنشهد الحسم الثوري كما يتصور البعض , فأمام المجلس ومكوناته العديد من الخطوات والترتيبات السابقة للبرنامج العملي الميداني 
-        لم يعد بالإمكان الانتظار ليوقع صالح المبادرة , وبتشكيل المجلس سقطت مشروعية الإطراف الموقعة على المبادرة , هذا  اذا لم يقر المجلس تلك الخطوات المتعلقة بالتوقيع على المبادرة
-        كان أمام المجتمع الدولي ومؤسساته حجة ان قوى الثورة مبعثرة وهذا امر غير مطمئن لهم ولا يبعث الحماس نحو تصعيد المواقف ضد صالح   لم يعد إمام المجتمع الدولي ومؤسساته حجة في التباطؤ عن إعلان موقف قوي ومؤثر ضد نظام صالح , الرافض لنقل السلطة بحسب مقترحات دولية وإقليمية , وهو ما يعني رفضه للشرعية الدولية , الأمر الذي يستوجب اتخاذ قرارات حاسمة أمام تمرد صالح وسعيه الى تدمير اليمن وإشعال الحروب داخلها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق