الأحد، يوليو 31، 2011

الزيديون» و«الإخوان» ومستقبل الثورة اليمنية


الحوثيون: من سيكولوجيا المواجهة المسلحة... إلى العمل الجماهيري
دنيز يمين- نقلا عن صحيفة السفير اللبنانبة:
يصعب تصوّر مستقبل دولة تحولت فيها الثورة إلى أزمة، أوحش ما فيها، حجم الضباب الذي يحجب الرؤية عن هوية «الخصم» السياسي الحقيقي الذي يتشكل على أساسه ميزان القوى السياسية المتناحرة.
يبدو أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لم يعد العقبة الأساس أمام انتقال اليمن من النظام الدكتاتوري إلى الدولة المدنية. ليس لأن الرئيس، المتكئ حتى اللحظة على عصا الرياض وواشنطن وبروكسل، قد أضحى في عداد المعارضين للنظام، بل لأن الانقسام ذاته بدأ يتغلغل في صفوف الثورة، ليتضح أن «الخصومة التاريخية» بين مكوناتها تهددّ جدار التغيير، بنكهة مذهبية... والبداية، من محافظة الجوف، الأقرب إلى السعودية.
حاولت المعارضة اليمنية طمس حقيقة التناحر بين مكوّنين أساسيين فيها، هما: حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون) والحوثيون (الزيديون)، اثر الاشتباك الذي حصل في 17 تموز الحالي في محافظة الجوف الشمالية، متناسية انه يستحيل إخفاء الواقع في مجتمع تعرف قبائله بعضها بعضا معرفتها نفسها. وفيما يرفض البعض وضع المواجهات ـ التي قال مصدر قبلي إن «الطرفين حشدا أنصارهما للالتحاق بها وبجبهتي القتال» ـ في خانة الخلاف السياسي، واعتبار الأمر مجرد صراع سلطة محدود نطاقه في الجوف، فإنّ توقيت مثل هذه الاشتباكات في خضم ثورة شعبية أنهت شهرها السادس، يعد مؤشراً على بداية ضياع بوصلة التغيير التي منعت حتى الأمس القريب المعارضين ـ المختلفين ثقافيا ودينيا وقبليا ـ من التفكك.
فما هي حقيقة التجاذب في صفوف «الثائرين»؟ وماذا عن الحوثيين تحديداً، ودورهم في صياغة سطور الثورة، في ضوء اشتباكهم بـ«الإصلاحيين» الذين يحافظون حتى الآن على موقعهم في الواجهة الأمامية للثورة؟
أثار نزول الحوثيين إلى ميادين النضال السلمي ارتياحاً لدى بعض اليمنيين، فيما زاد من مخاوف آخرين إزاء قدرة هذه الجماعة على التأثير، وتكيّفها السريع مع المتغيرات خدمة لأجندتها الخاصة. ولعل سبب هذا الارتياح أن الجماعة الزيدية لم تستطع قبل الآن الخروج من منطق المظلومية والاضطهاد والمقاومة العسكرية والانخراط في المجتمع اليمني ككل في الشارع كما في المؤسسات. أما التخوّف، فمردّه إلى أن طيف إيران يلاحق الحوثيين كيفما تحركوا، بالرغم من نفيهم الأمر استنادا إلى حقيقة الاختلاف المذهبي بين أتباع الإمام زيد من الشيعة والمذهب الاثني عشري (كالشيعة في لبنان وإيران).
يتساءل الباحث اليمني عبد الملك العجري، المتابع بدقة لمسيرة الحوثيين، في حوار مع «صوت الشورى» اليمني: «لماذا يخافون... شيء جيد أن تُظهر جماعة مقاتلة وعقائدية كل هذه البراغماتية والتكيف مع الوضع الثوري... بالفعل، عكس أداء الحوثيين انطباعات ايجابية عنهم لدى كثيرين من المراقبين والمتابعين للشأن اليمني وارتياحا كبيرا في أوساط القوى السياسية».
تخلص الحوثيون تدريجا، بحسب العجري، من «سيكولوجيا القهر» مع «تجاوز الزيدية عنق الزجاجة والانتقال إلى مرحلة التحرك المدني لتحقيق بقية المطالب العادلة والمشروعة»، فيما قال مصدر يمني معارض لـ«السفير» إن «انضمام الحوثيين إلى صفوف الثورة يأتي في سياقين متلازمين: الأول، تلاقي هدفهم مع هدف المعارضين الآخرين، وهو إسقاط النظام. والثاني هو إخفاء الحوثيين صوتهم كما الآخرون في صدى الثورة بعدما كانوا في فترة الركود يظهرون بحجمهم الكبير وربما الخطير».
سياق ثالث لمشاركة الحوثيين في الثورة تحدّث عنه رئيس مركز «أبعاد» اليمني للدراسات الاستراتيجية، عبد السلام محمد لـ«السفير»، تحت عنوان «تحسين الصورة». ويرى محمد أن «الحوثيين حين انضموا إلى ثورة الشعب السلمية كانوا يدركون جيدا أن قتالهم العنيف ضد الدولة خلال عمليات التمرد بين العامين 2004 و2010، قد شوه كثيرا من صورتهم، ولذا فإن الانضواء تحت لواء الثورة كان فرصة لتحسين الصورة وإعادة بناء الأولويات والانتقال بالتنظيم من مرحلة المواجهات المسلحة التي وضعتهم على رأس أهم القوى في الميدان اليمني، إلى مرحلة العمل الجماهيري استعدادا للعمل السياسي».
قد يختلف الحوثيون عن بقية مكونات المعارضة باهتماماتهم العسكرية، إلا أن صورتهم «الاستفزازية» لدى البعض قد تتلاشى مع سقوط الرئيس صالح، الذي «راهن على الخلاف بينهم وبين حزب الإصلاح»، وفق ما قاله المصدر اليمني المعارض لـ«السفير». ويضيف المصدر ان «صعدة هي معقل الحوثيين، لكنهم أيضا موجودون في صنعاء، لا بل هم الطرف الثاني في العاصمة بعد قوى اللقاء المشترك... اعتقد أنه بعد كل ما جرى خلال العهد السابق، استنتج الجميع أن سياسة الإقصاء ليست من مصلحة احد».
لا شك في ان هذا «الرهان الرئاسي» ينبع من خلفية التباعد الثقافي والفكري والسياسي بين مكوّني المعارضة المتناقضين، وهذا ما يظهر بوضوح في مطالب الحوثيين من النظام، التي فنّدها مؤسس منتدى «الشباب المؤمن» (الحوثيين) محمد بدر الدين الحوثي في مقال له على موقع «المنبر» في تشرين الأول العام 2009، تحت عنوان «أضواء على مسيرة أنصار الله. من هم؟ وما هي أهدافهم وعقيدتهم؟». ويقول الحوثي «نطالب بالحرية الكاملة في ممارسة عقائدنا وشعائرنا ومناسباتنا الدينية، بما في ذلك إقامة المدارس الدينية، وطباعة كتبنا ونشرها، لكون المدارس النظامية قائمة على أساس الفكر الوهابي. كما نطالب بمساواتنا بغيرنا من فئات المجتمع اليمني في حق المواطنة والعيش الكريم، وعدم الازدواجية في المعايير، أو الاستقواء علينا بدعم الفكر السلفي ضدنا، ومحاولة إشعال الفتنة الطائفية».
هذا الخطاب «الدفاعي»، إذا صحّ الوصف، هو الذي أُنعش بالأمس بعد اشتباكات الجوف بين أنصار الحوثيين والإصلاح، وهو الذي قد يحوّل التغيير عن مساره في اليمن، فينقلب هدف النهوض بالدولة المدنية (وهذا ما يطالب به كل الشركاء اليمنيين ومن بينهم أصحاب التوجهات الدينية) إلى تصفية حسابات قديمة بين من كان متعاونا مع النظام في المرحلة الماضية لحفظ مكانه في السلطة بهدف إقصاء الماركسيين والاشتراكيين، وبين من كان معاديا للنظام وواجه منفرداً ست حروب قادها ضده الرئيس صالح.
يرى الباحث والإعلامي اليمني الحسن علي الذاري في حديث لـ«السفير» ان انتصار الحوثيين في حروبهم مع النظام، وخصوصا الأخيرة التي اتخذت طابعاً إقليميا، أعطت لهم زخماً سياسياً على مستوى البلاد والإقليم، وأصبحوا قوة توازن في الساحة اليمنية ومنافسين جدّيين لحزب الإصلاح. ويقول الذاري «حصلت تقاطعات بين الإصلاح والحوثيين تجلت من خلال تحالفهم في إطار لجنة الحوار الوطني، وموافقتهم على مشروع رؤية الإنقاذ الوطني الذي قدمته اللجنة، وهذا توافق سياسي في نقطة معينة، وصولا إلى توحدهما تحت شعار إسقاط النظام... لكن هذا لا يعني أنهما أصبحا في خندق واحد». ويرى الذاري ان لكل من الطرفين فهماً مختلفاً لمفهوم النظام الذي يريد كلّ منهما إسقاطه، فالحوثيون «يريدون إسقاط النظام بكافة رموزه الفاسدة والمتورطين منهم في قمع وتجويع الشعب، في حين أن الإصلاح يختزل النظام الذي يريد إسقاطه في شخص الرئيس وأبنائه وأبناء أخيه».
هذا التباين الأساسي الذي يفصل مسار الفريقين حاليا، ليس مصدر الاختلاف الوحيد الذي ينعكس على الثورة المستمرة، خصوصا إذا ما عُدنا إلى موقف القوى المعارضة من مبادرة مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها موقف الحوثيين الرافض لها، لكونها برأيهم «صناعة سعودية» قبل ان تكون خليجية، في الوقت الذي ينادي فيه الحوثيون بالخروج «من تحت الوصاية السعودية». أما «الإصلاح» فرحّب في البداية بالمبادرة كمخرج للازمة في مقابل رفض كل من صالح، الذي أبى توقيعها ثلاث مرات متتالية، وشباب ساحة التغيير الذين أعلنوا في تصريحات نارية استقلال مسيرتهم عن مسيرة «اللقاء المشترك» (المعارضة البرلمانية وعلى رأسها الإصلاحيون)، ما دفع «الإصلاح» إلى تعديل رؤيته للحل.
ماذا عن وصول الحوثيين إلى السلطة في المستقبل؟ يكرّر التنظيم عند كل فرصة سانحة ان هدفه ليس المقاعد في السلطة بل «بناء الدولة المدنية الديموقراطية»، و«إعادة تشكيل المؤسستين العسكرية والأمنية بما يكفل حياديتهما»، و«حل قضيتي صعدة والمحافظات الجنوبية حلاً عادلا». قد تلتقي هذه المطالب في الشكل مع مطالب الفرقاء اليمنيين الآخرين بما في ذلك «الإصلاح»، إلا ان نظرة سريعة إلى الهواجس السياسية لدى كل من الفريقين، كافية لتخيل صعوبة التقاطع السياسي في المستقبل المنظور.
ويقول رئيس مركز «أبعاد» ان «على الحوثيين الابتعاد عن التفكير في نسخ تجربة «حزب الله» في اليمن، لان ذلك سيعطي للخصوم الأيديولوجيين إمكانية الدخول إلى حلبة الصراع المسلح». كما أن على الإصلاحيين في المقلب الآخر، «توجيه رسائل مطمئنة لجميع اليمنيين بعدم الانفراد بالمصير والتزام الشراكة الديموقراطية، لأن من أهم أسباب انزواء الخصوم السياسيين والأيديولوجيين هو الصراع مع الإصلاح والخوف من سيطرته على مسار الحياة اليومية».
ويلفت عبد السلام محمد إلى ان الأجندة المستقبلية لكل من الفريقين متفق عليها بشكل علني، وهي التأسيس لدولة ديموقراطية مدنية يتساوى فيها الجميع، «لكن الاختلاف هو من تحت الطاولة على مبدأ تقاسم الحكم» في موازاة امتلاك الجانبين قوة عسكرية هائلة على الأرض، «ما يجعلهما محل خوف من بعضهما البعض».
تصادم الحوثيين و«الإصلاح» سياسيا وعسكريا ليس أمراً جديداً، إلا أن خطورته على الثورة ومشروعها قد تتفاقم مع بقاء اليمن في دائرة التأزم. أما أن يدفع التصادم إلى تنافس مشروعي «الدولة الدينية للإخوان المسلمين» بعد سقوط صالح، أو «الدولة الشيعية في جنوبي المملكة» التي يرى البعض أن إيران تدفع الحوثيين إلى إقامتها، «فيأتي في سياق المحاولات السياسية للعب على الوتر الطائفي بين التنظيمين، خصوصا أن الواقع اليمني وتاريخه لا يسمحان بإنشاء مثل هذه الدويلات، ذلك أن غالبية الشعب اليمني تنطلق من مبادئ قبلية همّها المصلحة قبل الأيديولوجيا»، كما يقول محمد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق