السبت، يوليو 23، 2011

وداعا معتز.. هكذا ودعه أهل "حدة " العبارة كتبت على خزان المياه وصورة علقت على جدران حارتهم


يوميات الثورة/صنعاء -متابعات
وداعا معتز كتبت دموع عيونهم وجسدت أحزانهم على فراقه، وما تزال كومة الدمار التي غطت جسده حتى اللحظة تشهد على بشاعة الجريمة التي ارتكبها "الحرس الجمهوري" في حقه وحق الكثيرين من الأطفال والنساء والرجال..
مئذنة المسجد التي تلاصق منزلهم لم تسلم هي أيضا من قذائف الحقد، تهاوت حزنا على دماء معتز والأبرياء التي سالت على زواياها..
عقدت الفاجعة لسان أبيه وشلت كل تفكيره، بعيون قتلها القهر والأسى وبكلمات خرجت كأنين تلظى بها فؤاده..
قال والده: معتز ولدي الوحيد ولا أستطيع الحديث عنه أو التفكير حتى بفقدانه، وضع يديه على خديه بحسرة محاولا ألا يرى أحدا دموعه الحزينة..
قتل معتز..
هذه كانت جزء من مأساة جريمة النظام في منطقة حدة، أناس آمنين في بيوتهم تتساقط عليهم القذائف مثل المطر، استهانة بدمائهم واستهتار بأرواحهم، هذا ما لمسناه أول ما وطئت أقدامنا بعدسة "الإصلاح نت" منطقة حدة بالقرب من منزل الشيخ حمير الأحمر، طلب مرافقنا نافع قديع من حرس الشيخ وتسهيل المهمة لنا، دخلنا المنطقة والتي كانت شبه خالية من ساكنيها، رأينا بعض آثار الدمار أصابت بعض المنازل وأول بيت رأيناه كانت هنالك طفلتان تنظران من خلف زجاج النافذة إلينا طلبت منهما أن أكلم أمهما، فرفضتا بشدة، وكانت لعبة أطفال محطمة على الطريق .
ذكر لنا شهود عيان أن ساعة الضرب كان الناس يخرجون من المساجد ويستعدون لتناول الغداء فعند الضرب هرب الأكثرية وتركوا حتى غدائهم على الأرض، وأخذوا أطفالهم وهم يبكون من شدة الرعب والفزع.. وعلى بعد أمتار أيضا كان هناك مجموعة من الأطفال يجلسون على أبواب منازلهم يتفرجون بعيون خائفة من عدوان قريب وينتفضون إذا سمعوا طلقات طائشة بين الفينة والأخرى ..
اقتربنا من منزل "معتز الحميضة" التي تهاوت جدرانه على بعضها ودفن معتز تحت أنقاضها، أول شيء اعتصرت قلوبنا من تلك العبارة التي كتبت على خزان منزلهم "وداعا معتز" وصوره المعلقة على جدرانه.
يقول عبدالغني الملاحي أحد شهود العيان ومن حرس الشيخ أيضا : بعد 5 دقائق من خروج الشيخ حمير من مسجد الزهراء إلى منزله أتى صاروخ، وكأنهم يعرفون أن الشيخ يصلي في هذا المكان فأصاب المسجد ومنزل معتز وجرح والد معتز وعمه واستشهد معتز، ظل الضرب من بعد الظهر إلى الساعة العاشرة ليلا.. هرب أكثر الناس من الخوف والقصف وتركوا منازلهم..
صديقه طارق عبدالله شاهدنا ونحن بجانب بيت معتز فتحدث قائلا: كنا نصلي الجمعة فأتت قذيفة دمرت بيت معتز الذي صعد إلى غرفته لأخذ أشياءه فانهدم الدور الثاني عليه، كما تضرر المسجد بشكل كبير ولم نعلم بموته إلا بعد مرور يومين من الحادثة بسبب الأنقاض التي انهالت على جسده..
وأضاف: وضعنا ما يزال في خوف وحالة الناس هنا متعبة أمس فقط أتت الكهرباء أما الخدمات الأساسية منعدمة ونضطر للذهاب إلى أماكن بعيدة لجلب حاجياتنا الأساسية..
وعرف معتز بين رفاقه بأخلاقه العالية , وكان مثالاً يحتذى به في بشاشة الوجه , وطيبة القلب حيث كان يحب الخير لكل , والتطلع إلى المستقبل بأحلامٍ لم يدر في خلد معتز أن أحلامه تلك ستختطف منه على حين غرة .
الشيخ إبراهيم صالح المعافى أضاف: في يوم 3/6 انتهينا من الصلاة سمعنا إطلاق القذائف لم نستطع الخروج كان الإطلاق من جهة جبل النهدين، هناك أناس هربوا وغيرهم ظلوا في منازلهم حتى توقف إطلاق النار بعدها عرفنا أن منزل الحميضة تعرض للقصف وقُتل معتز..
وأثناء حديثنا جاء الشيخ عبدالسلام أبو صالح - مصري الجنسية- خطيب المسجد ليقول بعد الخطبة لم أر شيئا كانت مفاجأة غريبة لم نتوقع ذلك، توكلنا على الله وظلينا في بيوتنا، فرر عدد كبير من الناس ولكن الآن بدأوا يعودون ..
وأضاف الشيخ المعافى أنهم شكلوا لجان شعبية إضافة إلى مرافقين الشيخ لحماية ممتلكات الناس من النهب والسلب..
عبدالإله السريحي ذكر أن الناس ينتابهم حالة من الخوف والرهبة، وقال معاتبا ما ذنب هؤلاء المساكين وأصحاب البيوت والمحلات خسروا كل شيء وحالة الجميع في ضنك وضيق بسب تدهور الأوضاع..
حين دخلنا مسجد الزهراء ورأينا ما حل به من دمار وأضرار وسبقه المسجد المجاور لبيت الشيخ صادق الأحمر، وغيره من المساجد في الحصبة والتي تعرضت لأضرار والقذائف التي نالت أجزاء كبيرة منه يتعجب المرء، عندها تتباكى قناة سبأ واليمن والدعايات الملتهبة والاستنكار لتعرض مسجد النهدين في الحادثة والتغابي تماما عن هذه المساجد التي دمرت وأحرقت المصاحف بها أن الفارق لديهم أن ذلك المسجد يصلي به الرئيس أما المساجد التي لم يصل فيها فدماء الناس وحرمات المساجد حلال، تحرق قذائفهم كل شيء حتى بيوت الله..
لم أستطع التجول أكثر فوق الحطام لصعوبة المرور.. وقفت أم فؤاد السنيني لترى ما نعمل وسألتني إن كنا لجنة لتقصي الحقائق وللتعويضات، أجبتها بالنفي فذكرت لي أنها في ذلك اليوم كانت تصلي في شارع مجاهد فاتصلت بها ابنتها ألا تعود إلى منزلهم بسبب القصف الشديد على حدة.. تقول باكية ومرتجفة الكلمات زوجي وإبني وزوجته كانوا هنا وسمعوا القذائف فنزلوا تحت درج العمارة للاختباء، انسابت دموعها وتابعت كنت أرتجف خوفا عليهم وكل دقيقة أتصل بهم للاطمئنان عليهم، خرجنا من بيتنا وجلسنا أسبوعاً في بيت ابنتي وبعد أن هدأت الأوضاع، لكن يا بنتي ما يزال الوضع متوتراً، ونحن في ضيق شديد بسبب انعدام الخدمات حتى أننا في هذه الحارة أصبنا بأمراض من الفجيعة..
وأشارت إلى مكان القذائف التي أصابت منزلهم ومنزل الصرمي الذي أصابته أضرار بالغة وأحرق أثاثه، وفي آخر حديثها قالت: حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم..
قادنا جيران معتز إلى أهله الذين تركوا منزلهم ليلجأوا إلى منزل آخر من فاعل خير، لاحظت تلك الوجوه الفزعة والخوف المرتقب في عيون المارة المتبقين والسؤال الملح كلما مررنا بأحد: من سيعوضنا عن كل هذه الخسائر؟ المحلات أغلقت إلا من القلة القليلة الذين يشكون خسائر مادية بمئات الآلاف بسبب انطفاء الكهرباء وحالة الركود والغلاء التي تعيشها المنطقة واليمن بكلها.. ، وأفقدتهم الرغبة حتى في الضحك..
وصلنا إلى منزل أسرة معتز، استقبلنا عمه ووالده كان الانكسار واضحا والحزن محفورا في وجوههم، أبو معتز الذي اخترقت جسده عدة شظايا قال حزينا فقدت ابني الوحيد.. عندما انفجرت القذيفة كنت أصرخ "معتز" ولم أستطع بعدها البحث عنه لأني أصبت وسحبوني خارجا لإسعافي ولم أعلم بموته إلا بعد يومين، وغطى على وجهه وقال: كنت أتمنى الموت بدلا عن ولدي الوحيد.. لا أستطيع نسيانه..
عم معتز - أصيب في رجله- أضاف قائلا: سمعنا الانفجار، هربنا وأخرجنا الأولاد، ودخلنا للبحث عن معتز فأصبنا.
 هذا حالنا انهدمت بيوتنا وقتل أبناؤنا ونحن الآن في أحد بيوت فاعلي الخير خسرنا حتى عملنا.. لم أستطع مواصلة الحديث معهم لأن وضعهم النفسي كان صعبا جدا، فتركناهم غارقين في أحزانهم وودعناهم بقلوب أبكتها أحزانهم ..
خرجنا وكنت أتلفت يمينا ويسارا لقراءة الحياة التي غابت عن شوارع تلك المنطقة وعن الحزن والألم الذي حل بطرقاتها.. حتى أضع صورة قاتمة لمن أقاموا الحرب على هؤلاء الضحايا، من يجيز لهم كل هذه الأرواح.. والدمار التي اقترفتها أيديهم الآثمة..
وجه من الجرائم..
حاول " الإصلاح نت" جاهداً أن يحتوي ولو جزء يسير من تلك المعاناة ونقل صورة لزواره الكرام عن آثار الدمار والخراب الذي حل بتلك المناطق، ولكن ستبقى تلك الشواهد قائمة ومستمرة لتحكي جزءاً من وجه الجرائم التي كان يخفيها نظام صالح العائلي طيلة 33 عاماً لقتل شعبه.
المصدر  الإصلاح نت –ذكرى الواحدي


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق