الأربعاء، يونيو 22، 2011

سلفيو اليمن.. في زمن الثورات


تحولات فكرية وسياسة تفرض التعايش مع المتغيرات الحتمية
أحمد الصباحيa.alsabahi2010@yahoo.com
بما أن الشعوب العربية دخلت عصرا جديدا، بدأ التأريخ يسطر لحقبة جديدة مع تفجر الثورات العربية بداية بتونس "بوعزيزي"، ومرورا بمصر "خالد سعيد" وثورة ليبيا واليمن وسوريا واحتجاجات البحرين، وعلى هذا فإن الكيانات السياسية والجماعات من نظم وأحزاب وهيئات قد بدأت تتحسس رؤوسها ورقابها، بدءا بالنظم المستبدة وصولا إلى تيارات ثورية استمدت شرعيتها من حرصها على ثوابت الأمة ووقوفها بوجه الطغيان المحلي والدولي شأن تنظيم القاعدة حيث سحبت الجماهير الهادرة في تدفقها نحو الميادين البساط من تحت أقدامه لتقول: من هنا يبدأ التغيير، من صدورنا العارية وقبضات أيدينا التي تلامس وجه السماء تطلعاً للحرية والكرامة.
على النطاق الجغرافي اليمني هناك الكثير من الجماعات والتيارات التي بالتأكيد تتأثر بتأثر الأوضاع وتغيرها ولعلي هنا سأقف مع ما يطلق عليه مؤخرا "بالسلفية الحديثة"، وهو الجناح السلفي الجديد الخارج من غطاء السلفية التقليدية الأصولية الراديكالية، وأصبح يسمى بالسلفية الجديدة وهي التي تضم أشتاتا من العاملين في حقل الدعوة السلفية وتضم شخصيات علمية وشرعية وفكرية ودعوية متمثلته في نموذجي جمعية الحكمة اليمانية الخيرية، وجمعية الإحسان الخيرية وما يلحق بهما من المؤسسات والمراكز الشرعية كمركز دار الحديث في مأرب، وبعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تنضوي تحت الائتلاف السلفي الأول الذي أعلن عنه في الملتقى السلفي الثاني في الخامس من مايو لهذا العام 2011م تحت شعار( نحو كيان موحد للدعوة السلفية في اليمن)، ويبدو أن هذا الائتلاف الذي بالتأكيد أشهره السلفيون في ملتقاهم السلفي الثاني الذي عقدوه بفرضيه الأحداث الراهنة، وهي محاولة على ما يبدو لجمع شتات فرقاء الدعوة السلفية في اليمن، ويخرج عنها فقط أصحاب تيار السلفية القتالية( الجهادية) والمدرسة (المدخلية) والتي ما زالت متوقفة على المسار الأول في خطها السياسي وطريقتها التقليدية في الدعوة والغيبوبة الحضارية عن الواقع وتحدياته ومشكلاته الكلية الفعلية، والتنشئة على استدعاء فهم السابقين، والدعوة لإحياء مشكلاتهم التاريخية، بوصفها منهج السلف حتى وإن لم يكن لها ثمة مبرر من واقع، أو ضرورة من أي وجهه.
تحولات سلفية اليمن
لأنها أي السلفية في اليمن تتأثر بالأحداث وتداعياتها، وتتفاعل مع مجرياتها؛ فإن جانب التحول سواء كان الفكري أو السياسي بدأ يبرز على سلفية اليمن، ومن يقارن سلفية الماضي والحاضر يجد البون الواسع والتحولات الفكرية والسياسية الكبيرة.
فعلى مستوى الجانب الفكري بدأت السلفية تخرج عن الفكر التقليدي وانفتح الفكر السلفي الحاضر وتميز بمرونة حقيقية في التعامل مع مختلف أطياف العمل السلفي وبدأت السلفية بالعمل والتعامل والحوار مع الطوائف الإسلامية التي تُصنف خارج دائرة السنة والتماس الأعذار للآخرين كالإخوان، ولربما يتطور الأمر إلى الدخول في إتئلافات وحوارات طويلة مع الأشاعرة والإخوان والشيعة الإمامية في طور البحث عن التعايش السلمي ومحاولة الاقتراب من الواقع والتعامل معه بمرونة. وعلى الجانب السياسي بدأت عمليات الوعي والتجديد في الفكر السياسي السلفي، وخرجت أصوات مفكرين متنورين في التيار السلفي كالشيخ المقطري والحميري وعمار بن ناشر للمطالبة بعدم اقتصار دور السلفيون في الخطابة والوعظ والإرشاد، بل يجب عليهم أن يقوموا بدورهم في التعاطي مع المشكلات السياسية بعد التمحيص والتدقيق والمراجعة.
ومن التحولات السياسة موقفهم من المشاركة في الانتخابات والترشيح، حيث يرى أغلب مشايخ السلفية أن هذه المسألة اجتهادية لا يجوز فيها الإنكار، لأنها ليست قطعية ما دام لكل فريق أدلته التي بنى عليها اجتهاده، ولعل الائتلاف السلفي الأول الذي عقد في مدينة تعز وشارك فيه أكثر من 80 مؤسسه ومركز وجمعية سلفيه بداية نمو وتدشين لربما يتطور إلى حزب سلفي وهو الأمر الذي دعا إليه أكثر من شيخ سلفي كالشيخ المقطري وعمار بن ناشر، ولم يأخذ عليهم بقية المشايخ كالشيخ المعلم الذي أوضح في الملتقى السلفي الثاني أن لا باس أن يشتغل بعض شباب وقادة الدعوة السلفية في تكوين حزب سياسي يشارك في العملية السياسية. وأكثر من ذلك هو دعوة الكثير من مشايخ السلفية إلى كسر حاجز الصمت والخوف والتردد وأن زمن عزوف السلفيين عن التعددية الحزبية و قد ولى وجاء عهد الوعي والنضوج والحوار مع كافة الأطياف السياسية وهذا تحول كبير سيسمح للسلفية للدخول في حوارات مع الأطياف الأخرى ومشاركتهم في صنع القرار وحضورهم القوي في تأسيس دولة النظام والقانون.
السلفيون في ساحات التغيير
منذ انطلقت ثورتي تونس ومصر والتيار السلفي يرقب هذا الحريق والغضب الشعبي الذي أجتاح المنطقة، وكانت الرؤية مبدئيا هي الجنوح عن الشروع المباشر في المشاركة الشعبية واقتصر الدور السلفي على المناصحة للطرفين في محاولة لتجنيب اليمن من الفتن والحروب التي تأكل الأخضر واليابس، ولا زال فريق من مشايخ السلفية ينتهجون هذا المسار كالشيخ محمد المهدي والشيخ عبد العزيز الدبعي وغيرهم.
وبعد أن ولدت ثورة اليمن، وطال عودها، كان لزاما على التيار السلفي وهو صاحب الشعبية الواسعة، والقبول المتزايد يوما إثر آخر؛ كان لزاما عليهم أن يشاركوا الشعب بهمومه وآلامه ومطالباته ورغم التباينات الواسعة التي حدثت- وما زالت- بين مشايخ ومفكري التيار السلفي حول مشروعية هذا النوع من الخروج أو عدمه، إلا أن فصيلا كبيرا من المتنورين رأوا أن من الواجب أن يكونوا جزءا من الشعب وأن يقفوا في صف المظلومين وأن يبتعدوا عن صف الحكام الطغاة، ولذلك شرعوا في وضع المخيمات في ساحات التغيير في صنعاء وتعز وإب والبيضاء وغيرها من المحافظات اليمنية، وحضر المشايخ والدعاة إلى الساحات وخطب الشيخ الحميري والحميقاني وعقيل المقطري في ساحات التغيير، وتكونت الائتلافات السلفية، كائتلاف شباب التغيير الرائد في صنعاء، وحركة العدالة في تعز، وحركة شباب النهضة والتجديد في الحديدة، وحركة شباب النهضة للتغيير السلمي في عدن، وائتلاف الشباب السلمي في إب، وكان لها حضورها الواسع في لجان التنظيم المختلفة والمشاركة في برامج وأنشطة الساحات المتعددة.
وهذا لا يعني أن هناك اختلاف جوهري في التيار السلفي أو انشقاق حسبما يتداول البعض، إنما في القضية أن هناك بعض التباينات في إطار التيار السلفي بين من يؤيد الثورة ويناصرها ويدعو للمشاركة فيها، وبين من يرى أن ما يحدث قد يكون نوعا من الفتنة، وأن من واجبهم أن يدعو إلى حقن الدماء، ويرون السعي إلى المناصحة لدى مختلف الأطراف، مع إقرارهم بأن هناك فسادا عريضا وظلما وطغيان يجور كل أبناء البلد، وفساد يشري في مؤسسات الدولة ومن الواجب محاربته والوقوف في وجه.
السلفية والبرامج المستقبلية
التغيرات الكبيرة التي تطرأ على الواقع ستحدث بالتأكيد الكثير من التغيرات داخل الفكر السلفي وستضطر قادة وأتباع هذا الفكر إلى القيام بمزيد من المراجعات لكثير من القضايا الاجتهادية التي أوصلتها سياسة الحكم في العصور القديمة، إلى مصاف المسلمات والثوابت العقدية وليست كذلك، كما أن ظهور عدد كبير من الشخصيات المستنيرة داخل الصف السلفي التي تتسنم مهمة التجديد والتنوير، فإنه يعول عليها خلق مساحة أوسع للتعايش الفكري والسياسي مع الآخر.
ومن الواضح أن بوادر العمل لبرامج سلفية جديدة في المستقبل قد بدأت تتشكل وتتضح، والدليل على ذلك فكرة المؤتمر السلفي الثاني الذي عقد في شهر مايو لهذا العام في تعز تحت عنوان " نحو كيان سلفي موحد" وهي محاولة جادة سعت إليها جمعية الحكمة اليمانية الخيرية وشركائها كجمعية الإحسان ودار الحديث بمأرب وغيرها من المؤسسات الخيرية؛ بادرة سعوا من خلالها إلى لم الصف وجمع كلمة السلفية.
وكانت فكرة الائتلاف السلفي لها رواجا كبيرا وحضورا واسعا كمفتاح تواصل مع السلفية ورسالة واضحة مفادها: أن السلفية بدأت تنفتح مع الآخر وبدأت تتجه نحو التوحيد وليس التفريق، ونحو التنسيق وأعذار الآخر، كما أن تواجد صف كبير من السلفية من مشايخ وشباب في ساحات التغيير المختلفة والكيانات والائتلافات والروابط الشبابية السلفية الموجودة في ساحات التغيير تنم عن وعي سلفي متجدد، وعن بوادر للعمل المستقبلي والدخول إلى ساحة السياسة من خلال تشكيل حزب سياسي سلفي يتعامل مع الديمقراطية والتعددية الحزبية وفق الأطر الإسلامية، وفيما إذا تكون الحزب السياسي السلفي – وأنا على يقين أن تكوينه سيكون قريبا- عندها سيكون للسلفية دور في المشاركة في النظام، وصنع القرار وتنفيذه، والدفاع عن الحقوق والحريات، وإفساح المجال للشباب في كافة المجالات وتنويرهم، والعمل من أجل مصلحة اليمن والمواطن البسيط.
وماذا بعد،،
كما أن للسلفية منذ نشأتها دور رائد في شتى المجالات الدعوية والخيرية والتنموية، واهتمامها الواسع بقضايا المجتمع بمختلف مسمياتها، فإن التحولات والتغيرات التي طرأت في المنطقة يجعل السلفية أن تصب اهتمامها حول مراجعة جادة في مواقفهم مع خصومهم، وضرورة مد جسور التحاور والتواصل مع التحالفات القوية في الساحة اليمنية كحزب الإصلاح مثلا، وبعض التيارات السنية الأخرى.
كما أن من الضروري والمحتم على المنتسبين إلى هذا الفكر إعادة إنتاج خطاب ديني جديد ينسجم مع التطورات التي تشهدها المنطقة العربية من ثورات واحتجاجات عارمة، أبانت الضعف الشديد والعور والخلل في النظم السياسية والحكام الذين كانت السلفية من أشد المتمسكين بهم والداعين إلى طاعة أوامرهم باعتبارهم أولي الأمر المنصوص عليهم في القرآن والسنة بوجوب طاعتهم وعدم الخروج عليهم.
السلفية اليوم أمام منعطف كبير كما هي الجماعات الأخرى، والتعويل عليها باندماجها مع المجتمع، وتقدمها إلى ساحة المجتمع في كل تشعباته.
الدخول في خضم العمل الحزبي والسياسي وفتح الحوار مع الآخرين والاستفادة منهم حتى الاتجاهات الليبرالية والغربية وغيرها مطلب مهم على السلفية أن تسعى إلى ذلك، وليس هناك أي خوف من الحوار مع الاتجاهات الليبرالية فالجماعات السلفية كما قال الشيخ عمار بن ناشر العريقي شعارها أن توثر ولا تتأثر، بل قال أنه لا مانع من أن تتأثر بإيجابيات الآخرين التي لا تخالف الشرع.
إتباع المنهج السلمي للتغيير، والبرامج السياسية للحركات السلفية التي تخاطب المجتمع بكافة شرائحه، وحضور مبدأ التعايش مع الآخرين، وبرامج التجديد والتوعية على مستوى الفكر السلفي والخطاب الديني؛ أولويات تفرضها التغيرات الكبيرة التي تطرأ على الواقع العام والواقع السلفي بشكل خاص.
نقلا عن المصدر أونلاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق