الأحد، يونيو 26، 2011

خواطر فكرية حول ثورة الشعب اليمني

كتب/محمد سيف عبدالله
إن الله تعالى سمى نفسه السلام ومنه السلم والسلامة ، ونحن نعلم بأن العنف والقتل مناقض للسلام ، ولهذا حرم الله قتل النفس ، وجعل القتل من أكبر وألعن وافحش الجرائم على الإطلاق ، ومن أجل ترسيخ المحبة والسلم والسلمية في المطالبة بالحقوق ، وهي الأصل فإن الله تعالى قص علينا قصة بني آدم كمقدمة لإصدار الأحكام عن خطر وضرر استخدام القتل لحل المشاكل ، أو الوصول إلى الحكم بالقتل ، أو الحفاظ على الحكم ، من خلال أشلاء الدماء ، والقتل والحرب الأهلية ، قال تعالى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة : 27 ) ، وقوله :{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }(النساء : 93 ) . إن الله لم يقص علينا قصة إبن آدم وإحكام قتل النفس للتسلية ، وإنما لنرتدع ونقف عن حدود الله ، وعندما سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفتنة ، إن جاءه رجل ليقتله قال له : [كن كإبن آدم] ، وأما إذا كان للمسلم القدرة على رد الاعتداء ، وضبط النتائج بما يملك من قوة فله الحق أن يرد الاعتداء ، قال تعالى :{ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة : 194 ) ، وقوله : وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }(الشورى : 40 ) .
إن حديث الشعب والقنوات الفضائية والصحف ، وحديث الشارع اليوم لا يخرج عن ثورة الشعوب العربية اليوم عموما ، وثورة الشعب اليمني خصوصا ، وهنا نسأل لماذا قرر الشعب اليمني بكل فئاته المختلفة الشباب ، والشابات ، والتجار ، والمثففون ، والصحفيون ، والجيش ، والأحزاب ، والقبائل ، ومنظمات المجتمع المدني ، وكافة أفراد الشعب ، ما عدى المنتفعين من النظام ، والمغرر بهم ، والمستأجرين ، والجهلة بالمتغيرات وغياب فهم أحكام الشريعة والدستور والقانون .
إن سبب قرار اليمنيين هو متبعة لتعاليم القرآن ومقتدية بسنة الأنام محمد صلى الله عليه وسلم ، وبحسب ظروف العصر في تدريب الشعب على الجهاد بالوسائل السلمية ، التي كفلتها الشريعة الإسلامية والدستور اليمني ، فبعدما وضع رئيس الجمهورية مشروع التوريث ، وسخر إمكانيات الدولة ومؤسساتها لتحقيق هذا المشروع ، وتسبب هذا المشروع في الظلم والإقصاء وتشكل عصابة الفساد ، وحروب صعدة ، والقاعدة ، والحراك الجنوبي ، وتطور الأزمة السياسية مع المعارضة ، ومرت عشرون عاما من الحوار والانتخاب ، ولم يخرج الشعب إلى حل ، ولكن ثورة الشعب اليمين اليوم وآلياتها في أمانة العاصمة ، ومرورا بساحات الحريات إبتداءا بعواصم المحافظات ، جمعت الناس على قبول بعضهم بعضا على الشراكة ، وتركت القبائل سلاحها وأنضمت إلى الاعتصامات وشعارها سلمية سلمية ، الكل يريد إسقاط نظام الحاكم ، وواجه شباب الثورة قناصات الحاكم بصدورهم العارية ، واستشهد أكثر من أربعمئة شهيد وأكثر من ألفين جريح في كل المحافظات ، وحققت الثورة هدفها ، والحاكم الآن في حالة الاحتضار النهائي ، وهو مطالبته برحيل آمن لأنه بعد القتل سيحاكم داخليا وخارجيا ، إن لم يرحل بالدماء .
إن الدارس للقرآن والسنة بشكل دقيق سيجد أن خطاب الله للأمة {يا أيها الناس} ، {يا أيها الذين آمنوا} ، والنص النبوي [لا تجتمع أمتي على ضلالة] ، وليس الخطاب لفرد أو فئة محددة ، وبهذا نفهم أن العصمة للأمة ، وأما حصر الإجماع على النخبة من الفقهاء فإن سببه السلطان الذي أنشأ له فقهاء وعلماء .
وفي الإسلام الأمة كلها لها الحق في الهيمنة على كل الكيانات السياسية ، ولهذا تنص الدساتير على أن الشعب مالك السلطة ومصدرها ، ولهذا السلطان المستبد صادر حقوق الأمة السياسية وخاصة في حق تقرير مصير من يحكمها ، واستبعدها فقهاء وعلماء ذيل بغلة السلطان ، من حق تقرير مصيرها لظنهم جهلا أو قصدا ، إن الحجية مسألة معرفية لا تقريرية .
واليوم الملايين من الأمة العربية الإسلامية خرجت إلى ساحات التغيير تعيد الاعتبار لإجماع الشعب في تقرير مصير مستقبله مصير أبنائه في الحياة العامة ، والمصالح العامة ، والقضايا المصيرية التي لا تتطلب توافقا معرفيا بل تتطلب توافق إرادات وتقاطع ميول واشتراك مصالح .
إن الدارس للشريعة الإسلامية سيجد أن الواجبات والفروض لها مراتب ومنازل ، منها ما هو في المرتبة الكبرى ، ومنها ما هو أقل منه في الطلب ، مثلا إبتداء السلام سنة ، ولكن رده واجب على السامع ، ودفع من أراد قتل مسلم وظلمه ، ونهب أمواله ، من أكبر الواجبات في الشريعة الإسلامية ، وطاعة الوالدين من الفروض الشرعية ، ولكن لا يرقى إلى مستوى واجب دفع من قتل النفس والظلم المتعدي إلى الأمة ، فلو أمرك الوالد والأم أن تترك منه قتل النفس ودفع ظالم يريد قتل مسلم أو نهبه أ والتنكيل به ، فإن طاعتك للوالدين دخول في معصية أمر الله سبحانه ، لأن الله جعل من قتل النفس والفساد والإفساد في الأرض ، وهذا مما لا خلاف فيه عند العلماء ، فإنك أيها المسلم لو رأيت أحدا يعتدي على أحد ويسفك دمه فيجب عليك منعه .
وعلى ضوء هذا إننا جميعا نرى ما يقع بالشعب اليمني المسالم من ظلم وقمع ونهب للأموال العامة ، والإذلال ، والاعتداء ، والقتل ، وخيانة الحاكم للعقد الدستوري الذي يحفظ حقوق الشعب ، فهذا في الشريعة الإسلامية قتل وظلم من حاكم فرد وأعوانه ، واقع على الشعب فهو أعظم من الاعتداء على فرد ، وإذا كان يجب عليك النصرة لفرد لحكمه ، حاكم أو ظالم كائنا من كان ، ولا يجوز لوالدين منعك ، ففي الظلم الجماعي ، والاعتداء العام والقتل العام من المستأجرين يصبح من الفروض الكبرى على كل مسلم ومسلمة .
أختتم بالتذكير بالواجب الذي عليكم شرعا وهو : أن تناصروا وتدعموا الذين لزموا ساحات الاعتصام سليما بهدف التغيير ، حتى يتحقق التغيير والتبديل ، ويسقط النظام الفاسد المفسد ، ولا يجوز خذلان أو الاعتداء على المرابطين بالساحات والمطالبين بالتغيير ، ومن فعل ذلك فهو آثم ومن أعوان الظلمة ، قال تعالى :{ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (هود : 113 ) ، بل الواجب الشرعي الصبر والمصابرة والمرابطة ، والنصر على الصبر ، قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران : 200 )
أ / محمد سيف عبد الله خالد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق