بقلم الكاتب ذو الأصول الفلسطينية" نيبيل شبيب"
تحية اعتزاز وتقدير لكل من يصنع المستقبل عبر ربيع الثورة العربية
عندما يسجل القلم كلماتٍ موجهة إلى توكل كرمان، الشابة اليمنية القيادية الثائرة في اليمن من أجل اليمن وشعبه ومستقبله ومن أجل الإنسان، لا يمكن أن يشعر صاحب القلم بأنه يساهم في تكريم امرأة على مستوى رفيع من بين أفذاذ النساء والرجال على السواء، قدر ما يشعر بأنه نوع من تكريم الذات، أن تربطه علاقة كريمة مع توكل كرمان. وسبق أن سجّلت كلمات في مقدمة موضوع بقلمها بعنوان (حرية تداول المعلومات) نُشر في مداد القلم قبل ثلاثة أعوام، يوم 16/5/1429ه و21/5/2011م، ومن تلك الكلمات:
(توكل عبد السلام كرمان، من الزميلات الصحفيات المبدعات، أعتز بعلاقة صداقة مبكرة ربطت بيننا عن بعد، وشهدت لها من الكتابات ما يثير المزيد من الأمل بمستقبل هذه الامة، على أيدي جيل المستقبل، واستوقفتني كثيرا الكلمة التالية لها، التي نقلتها فضائية الجزيرة مباشر، ونشر نصها موقع منظمة "صحفيات بلا قيود" التي ترأسها، وتنشط مع زميلات لها من أجل مستقبل الإعلام في اليمن، وأن تكون له الرسالة الجديرة به، وأن يحمل أمانة الكلمة في عصر نحتاج فيه إليها أمس الحاجة، وتدافع في الوقت نفسه عن حرية الكلمة وكاتبها وناشرها، فذاك ما لا غنى عنه لتؤدّي المهمة الجليلة المنوطة بها.
وتوكل كرمان لا تنشط بقلمها وعبر المنظمة التي ترأسها فقط، بل يمتد نشاطها الصحفي والحقوقي والإنساني إلى ميادين عديدة واسعة، من خلال عضويتها في نقابة الصحفيين اليمنيين، واتحاد الصحفيين العرب، واتحاد الصحفيين الدوليين، ومنظمة الصحافة العالمي، والمرصد اليمني لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، ومنظمة العفو الدولية، واللجنة الوطنية للمرأة، واتحاد نساء اليمن، والاتحاد النسائي الإسلامي العالمي.. فضلا عن العديد من الأنشطة والحملات التي شاركت فيها وأعطتها دفعة قوية).
لم يكن ربيع الثورات العربية قد انبثق في تونس بعد، ولم أكن أتصوّر قي حينه أنه سينبثق وسيكون اليمن من محطاته الأولى، وأن تكون توكل كرمان في المقدمة من بين من يزرعون شتلات الحرية والكرامة والعدالة والتقدم والوحدة في الأرض اليمنية.. عندما كنت في زيارة لليمن عام 1431ه و2010م، وحدّثتها هاتفيا، وأذكر من ذلك الحديث أنّني كنت أنصح لها بتهدئة عنفوان الثورة في كلماتها، وأن تعطي للخصم –والخصم هو المستبد الفاسد- فرصة أو منفذا ليخرج بنفسه من نفق الاستبداد والفساد، وقد انطلقت تلك الكلمات من الإحساس بالخشية عليها وعلى أخواتها وإخوانها في طريق التغيير الذي اختاره جيل المستقبل لنفسه، وكنت قد التقيت ببعضهم في مؤتمر ثقافي، ورصدت يومذاك ذلك المستوى الرفيع من المعرفة والوعي والإحساس بالمسؤولية، لا سيما من جانب الأخوات المشاركات في المؤتمر، إنما أعترف (وهو اعتراف يسري على ما عرفته في مصر في تلك الفترة أيضا) أنّني مع اليقين بأن جيل المستقبل سيصنع التغيير من أجل المستقبل، لم أكن أقدّر أنّ التغيير بات وشيكا، وأن جيل توكل وأخواتها وإخوانها سيصنع ذلك التغيير المنشود عبر ثورة شعبية سلمية حضارية واعية، ذات أبعاد تاريخية بالمقارنة مع كل ثورة عرفها تاريخ البشرية، وذات أبعاد مستقبلية بما سينبثق عنها من متغيّرات في الخارطة الحضارية العالمية.
أدرك الآن أيتها الأخت الشابة القائدة الثائرة، أنّني من جيل يوشك على الرحيل قرير العين، قد بذل ما استطاع، أو بذل بعض الأفذاذ منه ما استطاعوا، وحققوا ما حققوا، واستلتم الراية، فانطلقتم بها بجرأة أكبر مما عرفناها رغم الاستبداد والقهر، وبوعي أعلى ممّا كنا نظنه في جيل الشباب، وبقدرة على العطاء تسمح لكل عاقل يستشرف المستقبل أن يقول.. إنكم تصنعون المستقبل هذه الأيام.
أذكر أيام تواصلنا عبر الشبكة وأنت فتاة في مقتبل العمر، كيف كنت تحرصين على معرفة المزيد باستمرار، ليس بأسلوب "تكديس المعلومات" بل بأسلوب البحث عما ينبغي توظيفه منها في صناعة المستقبل، وكيف كنت لا تتركين فرصة للاتصال بمن تتوخين فيهم القدرة على تقديم النصح (وأذكر منهم أ. نوال السباعي حفظها الله) لطرح الأسئلة، وجميعها يدور حول الإنسان وما يمكن أن يصنع، والوطن وكيف ينبغي أن تتغيّر أوضاعه، والمستقبل والجهود المطلوبة لبنائه.. إلى أن بلغتني أخبار جهدك المتميز فيما شاركت فيه أو في تأسيسه من منظمات إعلامية وحقوقية، وأصبحتُ أتابع جهودك وإنجازاتك عن بعد.. حتى إذا انبثق فجر الثورة الشعبية في اليمن، أدركت من قبل ظهورك في صفوفها الأولى، أنّك لا بد وأن تكوني في تلك الصفوف.. نصرك الله وجميع من معك في هذه الثورة الأبية العزيزة المنطلقة من الحق لإقرار الحق، والعدل لترسيخ العدل، والسلم والأمن والتقدم ليكون جميع ذلك واقعا يعيشه كل فرد من أفراد الوطن، وليس مجرد شعارات على ألسنة من يزعمون أنهم يخدمون الوطن وأهله وهم لا يخدمون إلا استبدادهم وفسادهم ومطامعهم الرخيصة.
أيقنت يا أخت العزّة.. وأنا أتابعك ومن معك هذه الأيام، وأتعلّم كيف تُصنع الثورات وتُبذل التضحيات ويُحفظ الأمن والسلام ويُبنى المستقبل عبر البذل والعطاء.. أيقنت أكثر مما مضى بصحّة ما كنت أسمعه مرارا من أستاذي الجليل عصام العطار –وقد كنت أنقل إليك بعض كلماته- وهو يقول: لا يوجد أحد أكبر من أن يتعلّم ولا يوجد أحد أصغر من أن يعلّم.
أيقنت أن المستقبل أصبح في أيديكم، وأنّنا بقدر ما نخرج من قوالب تفكير اعتدنا عليها وجعلناها من المسلّمات على مرّ العقود الماضية، يمكن أن نستوعب ما تصنعون، ونستشرف ما ستصلون إليه، ونرى رأي العين أن اليمن وسائر الأقطار العربية والإسلامية قد بدأت تخرج –بإذن الله- من منحدر عصر الانحطاط، ماضية غلى العلياء، وأن ثوراتكم ستستعيد –بإذن الله- للأمة مكانتها التي أرادها لها ربّ العزة، لتحمل رسالة الهدى والخير والرحمة للعالمين، لتبني من جديد صرحا حضاريا قوامه الإنسان، الذي كرّمه خالقه أيّما تكريم، وحرّم عليه الظلم الذي حرّمه على نفسه، ولتخرج البشرية جمعاء من نفق حضارة مادية أساءت للإنسان على الأرض رغم وصولها إلى القمر وتطلّعها إلى المريخ، وفقدت بوصلة الحقوق الأصيلة فجعلتها مكتسبة بقدر ما تُتنزع بالقوة انتزاعا، وبوصلة الحريات الأساسية المولودة مع ولادة الإنسان فجعلتها مادة صراع ونزاع لا يكاد يحصل على نصيب منها أحد ممّن لا يملك أسباب القوة المادية من البشر، وكم من البشر من لا يملك تلك الاسباب..
أنتم تحملون عبر ربيع الثورة العربية الأصيلة رسالة للبشرية تعبّرون عنها خطوة خطوة، يوما بعد يوم، بلدا بعد بلد، أنّ الإرادة البشرية تقهر الظلم العاتي المتجبر، وأن الثورة السلمية تقهر المستبد الفاجر المدجج بالسلاح، وأن وحدة الشعوب في مسار الثورة المشروعة على طريق الحق الأبلج والعدل المنصف تقهر جهود زرع الفتنة بمختلف أشكالها، سيان من يشعل وقودها ويسعّر نارها.. وستتجاوز أيضا جهود كل من يعمل على إجهاض الثورات، أو الالتفاف عليها، أو اقتناص ثمراتها.
كنا وما زلنا نردد: لا بد أن ينتصر الحق والعدل على الباطل والظلم..
وها أنتم تعطون الدليل.. وتسلكون الطريق لانتصار الحق والعدل على الباطل والظلم..
كنا وما زلنا نردّد: إن هذه الأمة الممزقة ما بين الحدود والأعلام أمة واحدة..
وها أنتم في الأقطار الثائرة على طريق واحد لهدف مشترك تعطون الدليل.. وتسلكون الطريق لتوحيد الأمة على أرض الواقع..
كنا وما زلنا نردّد أن حصون الطواغيت أهون عند الله من بيوت العنكبوت..
وها أنتم تستعرضون للبشرية أنها ضعيفة واهنة تتساقط أمام إرادة الشعوب وثوراتها السلمية فتتمزّق كخيوط بيت العنكبوت..
تحية لكم أيها الثوار الأبرار جميعا..
تحية لكم أيها الثوار الأحرار جميعا..
تحية الإجلال والتقدير لشهدائكم وجرحاكم، لنسائكم ورجالكم، لشبابكم وشيوخكم، لقادتكم وشعوبكم..
تحية لكم يا صناع المستقبل..
تحية لك ولمن معك على طريق الثورة أيتها الأخت الشابة اليمنية القيادية الثائرة.. توكل عبد السلام كرمان.
نبذة عن الكاتب الفلسطيني نيبيل شبيب
- درس العلوم السياسية والقانون الدولي، وقبيل الحصول على الماجستير منعته ظروف خاصّة من متابعة الدراسة. - مارس العمل الإسلامي والعمل الإعلامي الصحفي والإذاعي منذ عام 1968. - صدر له منذ أواسط السبعينيات عدد من الكتب، منها: قضية فلسطين.. الحقّ والباطل، تقييم مقرّرات كامب ديفد، تقويم "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"، حقيقة التفوّق الإسرائيلي، قضية فلسطين.. الواقع القائم وإرادة التغيير، ملحمة الشهيد (شعر)، وكتيبات إلكترونية: انهيار تفوق إسرائيلي مزعوم – تحرير المعرفة – الجهر بالحق. - نُشر له عدد كبير من المقالات والدراسات والقصائد في عدد من الصحف والمجلات والمواقع الشبكية، وله مشاركات في عدد من الندوات التلفازية والمؤتمرات الثقافية. -يقول عن نفسه: أؤمن بالإسلام عقيدة وتطبيقا، ومنظومة للقيم والحقوق والحريّات الإنسانية، ومنهج مبادئ متكاملة للحياة والحكم، وللنهوض الحضاري الإنساني، بما يشمل مختلف الفئات البشرية، دون تمييز، وفئات المجتمع الواحد دون استثناء، رجالا ونساء. وأعتقد أن نظاما قويما ينبثق عن الإسلام وفق متطلّبات المجتمعات الحالية والعالم المعاصر، ينطوي على إيجابيات النظام الديمقراطي، ويضيف إليها ضوابط من القيم تمنع من انحرافات تطبيقية لحساب مراكز القوى، لا سيّما المالية. وأدعو إلى أرضية مشتركة بين سائر الاتجاهات في البلدان العربية والإسلامية، على أساس تحكيم الإرادة الشعبية في اختيار مرجعيّة الحياة والحكم، وأرفض مختلف ألوان التغريب اللغوي والثقافي والحضاري ومختلف أشكال الاستبداد الداخلي والتبعية الأجنبية. وأدين العنف غير المشروع، ما دام لا ينطوي على شرط الدفاع عن النفس، وردّ العدوان ورفع الظلم، سواء صدر العنف غير المشروع عن دولة، كبيرة أو صغيرة، أو جهاز رسمي، أو عن منظمة أو أفراد، مهما اختلفت المسمّيات. وأدعو إلى الانفتاح الحضاري، والحوار الثقافي والديني، عبر مختلف الحدود السياسية وغير السياسية، وعلى وجه التخصيص داخل نطاق المجتمعات الغربية، حيث ارتفعت نسبة المسلمين من أهل البلاد الأصليين ومن المتجنّسين والوافدين، فأصبحوا جزءا ثابتا من المكوّنات المعاصرة لهذه المجتمعات. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق