الأحد، يوليو 03، 2011

اخصائي نفساني: الألفاظ التي استخدمها صالح ومعمر وبشار في ذم شعوبهم المسالمة انعكاس لشخصيتهم التي تتسم بالتعالي والشعور بالفرعونية


يوميات الثورة - جمال القصاص- الشرق الأوسط
يروى أن أبو مسلم الخراساني، عندما نزل الكوفة، استدعى جحا كونه أشهر ظرفاء عصره، عسى أن يظفر منه بطرفة أو فكاهة تخفف عنه أعباء حروبه الدموية. فخشي جحا على نفسه وادعى الحمق والجنون في حضرته.
ومع ذلك أعجب به أبو مسلم، وحدث عنه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الذي بادر فاستدعى جحا إلى دار الخلافة في بغداد لعله يصلح نديما أو مضحكا (مهرجا) في بلاطه. وقد أدرك جحا عاقبة هذا الأمر ومخاطره وقيوده، فتمادى في ادعائه الحمق والجنون حتى أفرج عنه المنصور بعد أن أجزل له العطاء. وكان للقاء أثر بالغ في ازدياد شهرته، وهنا قال جحا مقولته المشهورة: «حمق يعولني خير من عقل أعوله».
لا نعرف ماذا كان جحا سيقول، أو سيعلق لو تسمر أمام التلفاز في أيامنا الراهنة، وشاهد جثث الضحايا وبرك الدماء، وصور التشريد والنفي والخراب والدمار التي طالت الأخضر واليابس، على يد حكام عرب يجابهون انتفاضات وثورات شعوبهم السلمية ضدهم، طلبا للحرية والعدالة والكرامة، بعد أن ظلوا يحكمونهم لعقود طويلة بالحديد والنار.
كيف كان سيستقبل جحا بحسه الساخر أوصافا فاقت الحمق والعقل والجنون وربما يندى لها جبين التاريخ، تبارى هؤلاء الحكام في إطلاقها على شعوبهم المسالمة. فهم في نظر العقيد الليبي «جرذان»، سيزحف عليهم «من الصحرا إلى الصحرا.. زنقة زنقة، دار دار، شبر شبر، فرد فرد».. مسخرا كل عتاده وترسانته العسكرية وقواته المسلحة لدحرهم، حتى لو تتطلب الأمر محوهم من الوجود، وحرق النسل والزرع، وهدم القرى والمدن على من فيها، لا فرق بين امرأة وطفل، بين شيخ وشاب.. بين غاضب وثائر، اضطره القذافي لأن يحمل السلاح ليدافع عن شرفه وعرضه، ويصونهما بدمه، متوحدا في ذلك بالدفاع عن وطن سرق منه على مدار 42 عاما من حكم العقيد.
يندهش جحا من وصف الحكام لشعوبهم، ويتلمس ظهر حماره الشهير، ثم يضرب كفا بكف حين يشاهد القذافي مودعا خيمته وناقته ويركب «التوك توك»، مواصلا استنفاره لقواته: «هيا اضربوا الجرذان اسحقوهم.. ثورة ثورة».
لكن جحا يضحك ويستلقي على قفاه من الضحك حين يروي له أحدهم نادرة تقول إن القذافي المناضل الثوري من الخيمة إلى الصحراء سئل عن معنى كلمة «ثورة»، فقلَّب بوجهه الصارم صفحات الكتاب الأخضر، وفجأة صاح: «وجدتها.. وجدتها.. الثورة هي أنثى الثور».
يعض جحا على لسانه حين يعرف أنه بعد نحو 5 أشهر من الثورة، يلتمس القذافي من «جرذان» الأمس ثوار الغد والمستقبل، وعبر وساطات مقنعة، مخرجا من هزيمة وشيكة قد تؤدي به إلى حبال المشنقة، خاصة بعد أن أصبح مطاردا من قبل العدالة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم في حق الإنسانية.
حالة القذافي وهجاؤه المقذع الذي دخل به على أجندة الطرب العربي يصفها الدكتور محمد نبيل جامع أستاذ علم الاجتماع النفسي بجامعة الإسكندرية بقوله: «استخدام معمر القذافي كلمة (جرذان) في وصفه لشعبه، يريد بها أن يثبت للعالم أنه أبو البشر أو أنه أسد في غابة، وكل الحيوانات الأخرى مجرد قطيع، وهي نظرة دونية تكرس لمفهوم التسلط والفرد الأوحد».
لكن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي دخلت انتفاضة شعبه ضده نحو نصف العام، خرج قليلا على النص. فبعد أن ملّ مصطلحات الهجاء السياسية الكلاسيكية، من قبيل «قلة مندسة» و«أصحاب أجندات خارجية»، تخيل نفسه أنه قائد أوركسترا اليمن، وجمع شتات هجائه في مقولة صارت هي الأخرى مثلا: «أصوات نشاز.. فاتكم القطار»، واستمر صالح يراهن في مواصلة اللحن باللعب على أوتار مهترئة، وبعازفين نشاز حتى مُنِي بعبوة ناسفة داخل مسجده الرئاسي، نقل على أثرها للعلاج بمستشفي بمدينة الرياض بالسعودية. رغم ذلك، فإن الرئيس اليمني يجاهد حاليا في العودة إلى لحنه النشاز، ويجدد رهانه على قطار أصبح معروفا أنه لن يتمكن من اللحاق به مرة أخرى.
وأبى الرئيس السوري بشار الأسد أن يترك كعكة السباب لـ«جرذان» القذافي، و«نشاز» صالح، وبدافع من الغيرة وصم الثائرين ضده، وشعبه ضمنيا بـ«الجراثيم»، متأثرا على ما يبدو بخلفيته الطبية، في وصف ينتمي لعالم ما بعد الحداثة في الذم والشتيمة، عقابا على مطالبتهم بالحرية والحياة الكريمة بعد أربعة أشهر متواصلة من مظاهرات الاحتجاج في كل المدن السورية.
الدكتور جامع يسلط منظوره النفسي مؤكدا أن «الألفاظ التي استخدمها هؤلاء الرؤساء في ذم شعوبهم المسالمة هي انعكاس لشخصيتهم التي تتسم بالتعالي والشعور بالفرعونية». ويرى الدكتور جامع أن وصف الرئيس اليمني يجسد حالة من «الارتباك، ومحاولة عسيرة لمسك العصا من الوسط». أما وصف بشار الأسد لشعبه بـ«الجراثيم» فهو «يعبر عن أنه هو من يحمل تاج الحكمة، وأن من حوله مجرد جراثيم ليس لهم قيمة بالنسبة للعلم الذي يتسم به».
وأكد جامع على أن الألفاظ التي استخدمها الرؤساء العرب لها ثلاثة أبعاد، تتمثل في: التعالي، والنشأة، والعجز. كما أنها تعكس شهوة السلطة والتمسك بها مهما كان الثمن داميا، لافتا إلا أن المال والسلطة مفسدتان، ومن دون توازن بينهما ستعلو شهوات الحياة، بما قد يؤدي إلى طريق الشيطان، وفي الوقت نفسه، الابتعاد عن قيم العقل والخير والحق والعدالة.
ومن منظور التراث الأدبي، يرى الدكتور صلاح الراوي أستاذ الأدب الشعبي أن توقير الجماعة وصون كرامتها وأعرافها وتقاليدها مقوم أساسي من مقومات الأدب الشعبي، والحاكم لو أصبح سالبا، وانتهج طريقا مضادا، هو بالضرورة يصبح خارجا عن الجماعة. فما بالك بحكام يشتمون شعوبهم، لأنهم يطالبون بحقوقهم المهدرة في الحرية والعدل والعيش الكريم.
يضيف الراوي: «هؤلاء الحكام يريدون أن يسلبوا شعوبهم موقفهم النفسي والاجتماعي والثقافي. وهذه الشتائم، هي نوع من الإجرام، من يطلقها هو نفسه مجرم يستحق العقاب. حتى في أعراف القبيلة.. من الممكن أن يوجه رئيس القبيلة أو شيخها النقد لأفرادها، لكنه نقد بناء وله حدود لا يتجاوزها. لكن في حالتنا العربية هذه، نحن نواجه لغة استبداد وقمع لا لغة جماعة، لها معارف وأصول».
ويفجر الراوي مفارقة لافتة قائلا: «ليس غريبا أن يخرج من سوريا في تسعينات القرن الماضي الكتاب الرائد (طبائع الاستبداد) لعبد الرحمن الكواكبي، وهو مفكر ومناضل سوري، قال فيه: (إن المستبد فرد عاجز، لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور. وأن تراكم الثروات المفرطة مولد للاستبداد، ومضر بأخلاق الأفراد. وأن الاستبداد أصل لكل فساد، وأن الشورى الدستورية هي دواؤه».. ينصح الراوي بإعادة قراءته الآن، «فهو يكاد يكون مرآة لما يحث في سوريا حاليا».
يصرخ جحا ويقول: «لم تنته نوادري أنا الضاحك الباكي، يا الله صواريخ ودبابات وراجمات ورصاص وقنابل في كل مكان.. أين إذن أختبئ بصديقي ورفيقي حماري الجميل؟».
وبنبرة غضب يتساءل الراوي: «هل نسي هؤلاء الحكام أن هذه الشعوب هي التي جاءت بهم إلى السلطة، وأنها قادرة على أن توجه لهم أقسى أنواع السباب السياسي والاجتماعي بأسلوب أكثر حدة وواقعية.. فالشعوب تتجلى عبقريتها في المحن والأزمات، وتكون أكثر عنادا وصلابة.
والدليل على ذلك ما حدث في مصر وتونس فور هرب وتنحي رئيسيهما، في هذه اللحظة العبقرية، كلنا شاهدنا، كيف سقطت ومزقت صور هذين الرئيسين وديست بالنعال.. فهكذا، على الباغي تدور الدوائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق