الأحد، يوليو 17، 2011

التفكيك المرن في مواجهة المعادلة الطاغوتية


يوميات الثورة-كتب صادق العامري
اللحظة الراهن تمثل لحظة مخاض عسير للثورة اليمنية هذا التوصيف هو الصواب بعينه , فالذين يرون انها لحظة جمود يقود الى الممات , لا يرون الأمور بمنظار يتسع لمجمل حلقات المشهد , اذ لا يمكن تقييم الوضع خارج سياق المشهد بمكوناته المحلية والإقليمية والدولية , فان أي تجاوز لحلقة من حلقات المشهد ا و مفردة من مفردات تلك الحلقات سينتج عنها رؤية مشوهة ومنقوصة , وستحمل مخرجات الرؤية معها تلك التشوهات , وبالتالي ستكون المواقف والأحكام غير سليمة , ومن هنا تأتي تلك الأحكام بجمود الثورة وتأخرها وأحيانا يقال أنها انحرافت عن مسارها ويتطرف البعض الى حد القول بالموت ألسريري للثورة , وفي واقع الأمر كل تلك الأحكام , ولدت مشوهة لان الرؤية أصابها تشوه مع احترامي وتقديري لأصحابها , فما قالوا به  ينبع من حرصهم على الثورة , ولكن لا ينبغي ان ننشغل بجلد الذات عن مقارعة الخصم وسأضع بين أيدكم جملة من القضايا , وعليكم قراءة ما بين السطور
                                                    (1 )
 - يسقط أي نظام مدني عندمايسيطر الثوار على مقرات لمؤسسات حيوية مثل مبنى ( التلفزيون والإذاعة – وزارة الداخلية – وزارة الدفاع - المطارات المدنية - )
 - يسقط أي نظام مدني في حالة ما تصل الاحتجاجات الى مستوى التجويع السياسي للنظام بإيقاف كافة أشكال التعاون التي تمده بأسباب البقاء و الديمومة تحت مظلة أي مشروعية ينسجها ليتربع عليها في مواجهة الثورة , يكمن سر قوة أي نظام بمدى ما لديه من نصيب داخل مثلث السيطرة على الشعب ( الطاعة – الاستسلام – التعاون ) وبقدر حجم ما يناله من طاعة واستسلام وتعاون من المجتمع , تتولد قوة موازية, تفرض إرادتها على الواقع

- ويمكن القول ان قوة الفعل ألتغييري الثوري ينبغي ان يزاوج بين الفعل الاحتجاجي والفعل الموجه صوب تدمير مثلث السيطرة لمنع النظام من استخدام عناصر القوة لدية المتمثلة بالقوة العسكرية والمالية ضد الاحتجاجات , و تعد عملية منع النظام من استخدام القوة المفرطة أو جعل استخدامها منزوع الأثر وعديم الفائدة إستراتيجية مصاحبة لعملية التغيير باعتبار تلك القوة أنياب شاخصة تعترض الفعل الثوري وقد تحاصره في مربع احتجاجي محدد السقف , مما يدفعه الى خيارات ضارة اقلها طلب العون من القوى الخارجية وتلك القوى لا تتحرك الا  وفق مصالحها وفي ذلك خطر الارتهان لشروط الخارج , ووفقا لما سبق يمكن استنتاج التالي:

** ان أي ثورة ستختلف عن غيرها من الثورات باختلاف بنية مثلث السيطرة والقوة الناجمة عنه , الأمر الذي يجعل عملية المقارنة خارج سياق الاختلاف أمرا غير صائب ولا موفق

** ان الثورات ستختلف باختلاف مستوى مدنية النظام ومدى مؤسساتية إدارة مكوناته

** ان واقع تلك الاختلافات ستفرض طبيعة خاصة للنضال قد تتعدد فيها منهجيات التعامل بما يعنى ان حيثيات الواقع هي التي ستفرض طبيعة القرارات وشكلها ومضامينها ولن يكون بمقدور أحد تجاوز الواقع ومخرجاته , وان عملية التجاوز لطبيعة الواقع وأرضيته ستقود لمغامرات قد تجهض الثورة وتنسف مكتسباتها
** ان عامل الوقت يستخدم كسلاح ضد الثورات لإسقاطها من خلال حصر الفعل الثوري في مربع محدود بفعل الإسراف في استخدام القوة , وربما أدت محدودة الفعل الثوري إلى تفكيك مكونات الثورة تحت وطأة الإحساس بعدم بلوغ الحسم , والقوى المعادية للثورة تراهن على مفعول ذلك  الإحساس في إسقاط الثورة بتفكك مكوناتها , ولا يكون ذلك متاحا إلا في حالة إهمال الثوار للمزاوجة بين الفعل الاحتجاجي والفعل الموجه صوب تدمير مثلث السيطرة الذي ينتج عوامل الاستمرار والبقاء للنظام

 وبعد تلك المقدمات يمكن استعراض واقع الثورة اليمنية في إطار سياق الواقع و إفرازاته ووفقا لما تقدم ذكره

                                       (2 )
المؤسسات في اليمن شكل بلا مضمون ومباني بلا محتوى تأثيري في مجريات الأحداث , و ان سيطرة الثوار على تلك المؤسسات لن يحقق نتائج سريعة لان النظام أصبح خلف جدران المعسكرات , فالإذاعة والتلفزيون والدفاع والداخلية كلها تقبع خلف تلك الجدران المحصنة , وهناك أيضا مطارات , فالرئيس صالح كان يحكم البلاد بنظام عسكري يتدثر بلباس المدنية , حتى البنك المركزي كان في القصر وانتقل إلى المعسكر من الناحية العملية طبعا, فان تم الزحف إلى تلك المؤسسات الحكومية المتناثرة في شوارع العاصمة صنعاء وتم السيطرة عليها بعد تقديم قوافل الشهداء , سيكون تأثير تلك السيطرة محدود في عملية  الحسم لان النظام ليس فيها أصلا وهذا لا يعنى ان التأثير محدود من كل النواحي فالتأثير المعنوي سيكون كبيرا لكن الحسم الذي هو الهدف من وراء الزحف والسيطرة لن يتحقق , بحكم الغياب الفعلي للنظام المدني ,وستتكشف طبيعة النظام العسكرية القابع خلف الأسوار العسكرية والأمنية ,
 وهذا أمر مخطط له منذ زمن , ولهذا رفعت منظمات حقوقية وسياسية شعار " لا لعسكرة المدن " مدن خالية من المعسكرات " في بداية التسعينات , لأدراك الجميع خطورة شحن المدن بالقوات العسكرية والغايات من وراء هذه العسكرة للمدن , فإذا كان النظام يقاوم من وراء حصون العسكر , فان الفعل الثوري التقليدي لن يكون مجديا معه خصوصا إذا كان النظام مدعوما من قوى إقليمية ودولية تسهم في مده بأسباب الصمود , وتحجب عنه أي تصعيد دولي جاد ومؤثر ضد أعمال القمع و التنكيل بالشعب ,
 وأمام هذا الوضع تنشأ معادلة صعبة , ( فعل ثوري يريد حسما سريعا ونظام لا وجود له في مواطن الحسم المدنية , ترك كل شيء وغادر إلى مربع المعسكرات , والحسم لن يكون إلا حيث يوجد النظام )  هكذا أرادها النظام

 تنطوي هذه المعادلة على صدام محتمل ومقصود بين الثوار والحرس الجمهوري وليس بين الطرفين خصومة فالحرس الجمهوري هم الأخ والوالد والعم والخال لهذا الثأر او ذاك وهم ضحية لمخططات النظام ودماءهم عزيزة ومثلهم الشباب ,
فما المخرج من هذه المعادلة الطاغوتية وكيف يمكن كسرها , ومن ثم تحطيم أنياب القوة , ولا سبيل لذلك إلا بمعادلة موازية تعيد صياغة الأدوار على أساس منهجية التفكيك وخلخلة الأنياب بحيث تفقد قدرتها على إيذاء البلاد عسكريا ويتزامن مع هذه المنهجية فعل ثوري معتاد بحسب البرنامج الأسبوعي , ولا يستهدف الحسم الا في اللحظة المناسبة عندها سيضرب الفعل الثوري الضربة القاضية ,
في ظل هذه المرحلة يعتقد البعض ان الثورة قد أصابها الجمود وهؤلاء  لا يقيمون الفعل الثوري الا من خلال زاوية واحدة او من خلال تفضيلات يرغبون في رايتها , لكن الواقع ومعطياته يفرضان ما ينبغي ان يكون , والمتابع الدقيق يستطيع إدراك ومعرفة ما يدور في
هذه المرحلة دون جهد او مشقة
                                   (3 )
راهن صالح وتراهن السعودية اليوم ومعها بقايا نظام صالح على عامل الوقت منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة,  إذ منحت حالة التململ في صفوف الثوار من طول أمد الثورة دون حسم , منحت صالح الإحساس بتأثير عامل الوقت على الثوار فأمعن في استخدمه كأحد أسلحته لإسقاط  الثورة من خلال حصر الفعل الثوري في مربع محدود والهروب من أمامه إلى المعسكرات,  وربما أدت محدودية الفعل الثوري بحسب اعتقاد النظام  إلى تفكيك مكونات الثورة تحت وطأة الإحساس بعدم بلوغ الحسم , وضغط الزمن , ولا تزال القوى المعادية للثورة في الداخل والخارج  تراهن على مفعول ذلك  الإحساس في إسقاط الثورة بتفكك مكوناتها , وكان بمقدور الثوار ان يسقطوا هذا الرهان ويمنعوا مجرد التفكير فيه , من خلال إعلان الصمود والتحدي لعامل الزمن و إيقاف رسائل الضجر والتململ , إلا ان هذا بدأ بالفعل ألان فالثوار اليوم على استعداد لمواصلة النضال حتى تنجز الثورة أهدافها إلى ما بعد صالح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق