الأحد، يوليو 03، 2011

عنفوان التغيير اليمني ... ثورة تشكو العميان


هي نكتة صعيدية قديمة، وحتى لا أبدو سخيفا، سأقولها فقط للذين لم يسمعوا بالنكتة الشهيرة، التي تتحدث عن عمدة القرية، وقد طلب منه أهلها البسطاء، أن يبني مستشفى قرب حفرة، تسببت بإصابات مضرة بهم، فقال لهم بذكاء: لماذا لا نردم الحفرة ونحفر واحدة قرب مستشفى المركز على بعد كيلو متر ونصف.
هناك عقليات شديدة الذكاء!،كهذا العمدة، تطمح أن تحل مشاكل كثيرة نكأتها ثورة التغيير في اليمن، بأسلوب نقل المشكلة إلى موقع آخر، لأنهاتستطيع السيطرة عليه هناك، دعونا نراجع بعض مطالب التغيير في اليمن، في واقع ممتلئ بالاستبداد والفساد، حيث تستعين قوى الفساد والاستبداد بقوانين عرفية، بدأت قوى التغيير الاجتماعية تمجها، كل هذا ولد ديموقراطية هزيلة مليئة بأمراض الديموقراطية في كل دول العالم، الأمر الذي جعل الحصى تتجمع، مكونة جبلا لا يتجاهل وجودة غير الأعمى.

ولنستمع للحول العبقرية، وقد وضعت عبر مسيرة ثورة التغيير، التي نبهت الداخل اليمني والخارج الشقيق والصديق، أو الاقليمي والدولي بصياغة أخرى، نبهت الجميع أن مشاكل اليمن، الدولة الصغيرة والعادية، تلك المشاكل الصغيرة والعادية هي الأخرى، قد صارت جبلا مهولا ألقى بظله عموديا على ثلاثة أجيال، صارت تشعر بغضب لا حدود له، ولكنه، ذلك الغضب، لم يكن عاطفيا أعمى، لحسن حظ اليمن، كان عقلانيا رشيدا فأجأ الجميع.
الذين افترضوا أن الجبل حفرة، قرروا فورا أن يتم نقله إلى موقع آخر، والذين اعترفوا أنه جبل قرروا أن الحياة يمكن أن تسير بوجود جبل كبير يسد منافذ الحياة عن شعب لن ينتظر طويلا، ورغم أن هناك من قرر أن يتقي شر الحليم، إلا أن البعض أراد أن يروض (الحلم، بالضم أوالكسر)، ويعترف شكليا بأن ما حدث هو أمر يستحق أن نتعامل معه كأنه قد حدث بالفعل، أمر واقع يحتاج إلى أمر واقع جديد، أتحدث عن امريكا والخليج خصوصا.
السخافات مستمرة بكل اسف، هناك شعب طامح، وجبل فساد واستبداد وإنتهاكات يومية وسياسات غير أخلاقية، بل غير إنسانية، ومازالت حلول العمدة، مع احترامي الشديد لكل أهل الصعيد ومصر عموما، لكن تلك الحلول لم تزل تلح برأسها كلما استجمع عقلاء اليمن أنفاسهم قليلا.
أعرف أنه ليس من الصحيح أن نقف ضد الحلول المرحلية، فعقول الناس لا تتحمل الحلول الجذرية، كذلك الشاعر الذي انتحر لأن حلمه تحقق دون تمهيد!، وهكذا يفكر عقلاء الجيل اليمني، الذي يثور ويضطرم ضد جبل الفساد، ومصفوفة التوابع الأكثر سوءا.
 ولكن حتى العقل والتعقل لهما حدود، فكما يقول المثل التركي: لنجلس مائلين ولكن لنتكلم باستقامة.
مشكلة العميان أمام جبل ثورة التغيير، وأقصد بهم الآن ..الوسطاء الدوليين، كل رأس أطل مبتسما لبقا ليحول ثورة الشعب اليمني إلى أزمة سياسية، لمجرد أن قادتها قوم لا يراوغون سياسيا، ولا يتحدون العالم من اجل مصالحهم الشخصية، هم فقط يفكرون، بصبر، بمجتمعهم اليمني المركب، والأكثر حاجة من غيره لتحقيق المطالب العادلة.
مشكلة العميان إذن، أنهم يساوون بين أطراف الثورة، بصفتها ازمة، دون ان يقولوا ذلك صراحة، وينتج عن ذلك، جلاد وضحية لا تدري من يعلو صراخه وعويله اكثر من الآخر، ولكل ذي عينين، مهما كانت تناقضات الواقع اليمني، من الواضح أن من يقف خلف المدفع هو من يقصف، ومن يعبث بمقدرات اليمن طوال عقود هو الذي يقتل، وأن مصلحة أي طرف، خارجيا أو داخليا، تكمن في مستقبل يمني نظيف اليد، واضح المبادئ والمطالب، لا بمستقبل متقلب ماكر، يذهب باتجاه الكذب قصير الحبل إلى هاوية التأريخ التي نعرفها جميعا.
كان الاستعمار قديما يتكئ على الفساد الشخصي المحلي، باعتباره افضل وسائل الإملاء والعبث بمقدرات البلدان المستعمرة، ولكن اللعبة انتهت بكوارث لا حصر لها، وتحول حلفاء الاستعمار إلى لعنات تطارد الجميع حتى اليوم، إما موتى بذكريات سيئة، أو أحياء بتكاليف باهضة، أمنيا وسياسيا واقتصاديا.
والآن، وقد أبصرت الشعوب الكثير من النور، فلم يعد بمقدور أحد أن يضربها سرا، وهو يبتسم امام العالم متظاهرا بأنه يمارس عملا عاديا وطبيعيا، صارت الانسانية تعرف ان الابتزاز ابتزاز، والسرقة سرقة والقتل قتلا، نسبيا ولكن أكثر من ذي قبل، .... فلماذا لا يتم التعامل مع الأيتام بصفتهم ايتام، وأن معيلهم سيساعدهم على الحياة بحيث يأخذ كل ذي حق حقه، بدلا من نفيهم من التأريخ الإنساني، بصفتهم أشياء لا صوت لها ولا عقل، وأن الوصي هو وحده من يملك القرار الأخير في كل مفردات حياتهم، فلا يهتم بماذا وإنما بكيف... كيف يحقق ما يهدف إليه؟.
جبل الثورة قد أطلق صرخته الأولى، وهو لن يسكت ما لم يتم فرض المعايير العقلانية للتعامل الإنساني الصريح والعملي معه، لقد تطور التأريخ الإنساني ليصنع لغة جديدة للتعامل والتفاوض، لا لغة قديمة مستحدثة للخداع والضحك على الذات، وبنتائج تضمن مصلحة الجميع، مادامت العقلانية والديموقراطية هي المرجعية المتفق عليها إنسانيا مطلع القرن الحادي والعشرين.
تلك النكتة، أعلاه، التي بدأت بها كلامي، لا تعكس غباء أهل القرية مطلقا، فقد تعودت كل الشعوب، بذكاء، أن تحدث زعماءها بطريقتهم الغبية!، إنها، النكتة، تعكس مستوى ذكاء عمدة القرية!، الذي قرر ان يكسب وقتا مع الاستغباء والاستهبال، مقابل فضيحة العمر له ولكل ما يتصل به، والفضيحة بلغة السياسة ليست أمر مشينا، إلا إذا ترتب عليها خسائر مادية قريبة أو بعيدة المدى، وهذا ما تعده القلوب المكلومة والنخب المتوثبة لكل من حارب أشواقها للحرية، بجهل أو تجاهل، والمثل اليمني يقول: إذا أخذت حقك هذا العام، فأنت شخص متعجل.
بقلم/ فهد آل قاسم
fahdalqasem.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق