الاثنين، يوليو 11، 2011

البحث عن المشروع السياسي للثورة


بقلم - منى صفوان
ان سلمنا بفكرة ان الثورة تفتقد حتى اللحظة للمشروع السياسي الذي يمكنه ان ينقذ تراجعها الزمني، الذي يجعل منها فعل هامشي وليس رئيسي، فاننا اذا نبحث عن المشروع الذي من خلاله تتحول الثورة، الى عملية مستمرة تضمن التغيير والإصلاح السياسي.
وبهذا فقد نجزم إن خطوة “المجلس الانتقالي” ليست اكثر من حل اجرائي، وليس هو من يوفر الغطاء السياسي للثورة ولا الحاضن الشرعي لمشروعها السياسي.
فالمجلس الانتقالي باهميته لا يعني اكثر من مجرد خطوة اجرائية، لاستلام البلد المنهك، و المنهار، و صاحب التركة الثقيلة، ليعالج الاوضاع المعيشية الصعبة، والأمنية الخطرة.
لذا فان مهمه المجلس الانتقالي توازي مهمه “حكومة تصريف الاعمال”، وهي مهمه انقاذية تتسلم بلد منهك البنية الاقتصادية والأمنية، ولا يمكنه سياسيا، في أحسن الاحوال الا ان يعد البيئة القانونية المناسبة لاجراء انتخابات دستورية تكفل الانتقال الشرعي للسلطة.
لذا فان المهمه “القانونية- الاقتصادية- الامنية” للمجلس الانتقالي على اهميتها، فانها ليست اكثر من مهمه اَنية، تاخذ وقتها وتنتهي، و ليست هي المشروع السياسي للثورة، وليس المجلس هو الذي يمكنه تولي الاهتمام بهذا المشروع.
فالمشروع السياسي يعني ان تتحول كل اهداف الثورة بعيدة المدى الى خطوات عمليه، تضمن تنفيذها الحرفي، وهذه الاهداف بعيدة المدى التي تصاغ تحت عنوان عريض اسمه “الدولة المدنية ” لا يمكن ان تتحقق خلال اشهر من عمر الثورة، فالتركة السياسية للبلد، و التي تستلمها الشرعية الثورية لتكلف بها اي اطار سياسي للتعامل معها، تقول ان هذه التركة هي تركة اكثر من خمسة عقود من الصراع و الحروب والثارات السياسية. لذا فان المشروع السياسي لليمن الحديث عليه ان يقوم على فكرة معالجة هذه الاثار العميقة والدامية، و التي اكلت من النسيج الاجتماعي وكادت ان تقوم بمهمة تقويضية داخل الثورة نفسها، كونها جمعت كل الاطراف تحت مظلة واحدة لتحقيق هدف واحد.
ومع تحقيق الهدف الاول في اسقاط النظام، ومحاولة التخلص من اثار ما تبقى من النظام “امنيا واقتصاديا” فان التهتك السياسي معرض في اي لحظة للظهور، لتبدو به الثورة ممزقة، ولا حل سوى اعلان للمشروع السياسي، الذي يضمن معالجة هذه الاثار بالحوار الوطني الشامل و الصريح، لانهاء خمسين سنة من التوتر، والتخطيط للخمسين السنة القادمة بهدوء.
وهذا المشروع السياسي ” الحوار الوطني” يمكنه ان يعلن عن نفسه في اي لحظة، منفصلا تماما عن المشروع الاني للثورة، التي تبحث عن اطار سياسي تسلم له شرعيتها كالمجلس الانتقالي، الذي ستكون مهمته العاجلة الامنية والاقتصادية، كفيلة لجعله لا يفكر للمدى الطويل، الا بما يضمن توفير بيئة مناسبة لانتقال دستوري للسلطة.
لذا فان مشروع الحوار الوطني، هو المشروع الذي يمكنه ان يسير بالتوازي مع مشروع الثورة كمشروع سياسي بعيد المدى.
وتجربة اليمن في الحوار الوطني الشامل، نجحت من خلال تجربة التشاور الوطني الذي انبثقت عنه اللجنة التحضيرية العليا للحوار الوطني، ويمكن القول ان هذا المشروع اكتسب شرعيته الوطنية من خلال ضمه لكل الاطراف الفاعلة في الساحة وقتها “قبل الثورة” ومع ظهور اطراف جديدة “شباب الثورة” فان الحاجة ملحة امام الشباب، اصحاب الائتلافات المتعددة وغير المبررة سياسيا، ان ينسقوا معا في اطار سياسي واحد يضمن تواجدهم بشكل منفرد وبذات الوقت يعبر عن اختلافهم، ويوثق للتواجد الموحد لاطياف الثورة الشبابية. وربما يمكنهم الاستفادة من تجربة اللقاء المشترك الذي ضم اطياف السياسية اليمينة ببند سياسي واحد احترم الاختلاف وحافظ عليه بعيدا عن تحوله الى صراع يشق الصف السياسي، لان بقاء الصفوف الثورية مشتته مع بدء التفكير بمشروع سياسي طويل المدى، سيعني تفتت هذه الجهود وذوبانها، او تحولها الى بذور جديدة في الصراع السياسي.
وبالعودة الى مشروع التشاور الوطني – ولجنته التحضيرية التي لم تنتهي مهمتها، ولم تدشن مرحلة ما بعد الثورة، ولم يكن لها تواجد سياسي في الثورة، فان هذا المشروع يطرح كاحد الخيارات كونه في الاساس موجود “كحاضن للحوار الوطني”.
ويمكن ان يكون هناك خيار اخر لحاضن شرعي يرعى هذا الحوار وهو ، الثورة نفسها. وهذا مرهون فقط بتوحد كل الائتلافات الشبابية – السياسية في الساحة في مسمى واحد يتبنى الدعوة للحوار الوطني ويدشن المشروع السياسي للثورة، وهو من يشرف بنفسه على تحول الثورة الى مشروع سياسي، يكون هدفه بناء اليمن الجديد.
الحوار الوطني كان هو المعضلة التي لم يمكن حلها، و تجربة اللجنة التحضرية ان كان ينظر لها كمشروع سياسي يمتلك الشرعية الوطنية الجامعة، او كمشروع سياسي لطرف سياسي ، فانه في كلتا الحالتين كان الدليل المادي على قدرة الاطراف السياسية القوية ان تسجل حضورا ملموسا في الصياغة السياسية الجديدة ، وكان هو اهم تجارب التغيير السلمي، والذي انخرطت فيه القبائل والقوى السياسية المسلحة قبل انخراطها بعد ذلك في الثورة السلمية. مما يجعل الحوار الوطني المنشود امر ممكن حدوثه لاحداث تغيير واثر نوعي في العملية السياسية، خاصة وانه دشن مرحلة التحول السياسي داخل القبيلة نفسها في عز تمترسها ودفاعها عن تواجدها.
فاليمن الذي كانت فيه دولة “علي عبد الله صالح” تشكل طرف مواجهه امام القبيلة، ولم تتصرف كدولة تضم الجميع وينصاع لها الجميع، كان من الطبيعي ان نجد فيه كل المظاهر السلبية للقبيلة، التي كانت تحمي نفسها من قوة موازية، وهذا ما جعل فكرة الدولة المدنية مهدده من قبل النظام و القبيلة معا، فكسر القوانين كان النظام السباق له، وحين لايوجد اطار سياسي وقانوني يحمي بقية الاطراف، تتحول القبيلة من واجهه ثقافية واجتماعيه، الى سلطة سياسية مستنفرة تحمي نفسها، وتهدد سلطة الدولة، ويمكن ان تتخذ خارجيا في هذه الحالة مظهر “الجماعة المسلحة”.
لقد كانت القبيلة مع الثورة ضد النظام، لانه اول من شوه صورتها وافرغها من مضمونها وهدد بقائها، و ليس من مصلحة القبيلة ان يحدث هذا التماس بينها وبين السياسة كسلطة، مع انه من حقها ممارسة السياسية، لذا فان مشروع التشاور الوطني ولجنته التحضرية نظر له وقتها انه احد مخرجات القبيلة، او انه الذراع السياسي لها، لفرض سطوة وسلطة سياسية جديدة، في مواجهة النظام، و السبب ان “حميد الاحمر” كزعيم قبلي كان على راس المشروع.
ولكن قد يعني الامر الان، بعد الاخذ بعين الاعتبار كل التجارب السياسية المتراكمة خاصة بعد الثورة، ان هذا المشورع كان هو بدء التحول من مشروع الزعامة القبيلة الى الاحتراف للسياسية . وهي تجربة تستحق الوقوف عندها لقراءة مستقبل الدولة الذي يمكن تصوره، فكون المؤسسة التقلدية هي من تهدد البناء الحديث للدولة ، ثم يخرج المشروع المدني، كعمل سياسي محترف، من داخل القبيلة، فان هذا يجعل الرهان مستمر على القبيلة.
ان الحوار الوطني في انصايع وانضمام القبيلة المسلحة الى ثورة شعبية سلمية، وفي وجود قوة تفرض نفسها على باقي المظاهر المسلحة في البلاد، يمكنه ان يكون مشروع الثورة الناجح.
ونجاح مشروع الحوار في تقهقر ثقافة العنف، كان له نموذج في الثورة ببقاء القبيلة في خانة المدافع عن نفسها في حرب الحصبة المصطنعة من قبل النظام، وهو امر يجدر اخذه بعين التفاؤل و القياس عليه في مشاريع مستقبلية للرهان مجددا على القبيلة، بانها لن تكون الحجرة العثرة التقليدية امام بناء الدولة الحديث، خاصة بعد ان زال الخطر الذي كان يهددها “دولة صالح” او قبيلته السياسية.
القبيلة التي تعيد صياغة وضعها الاجتماعي، وتفصل ذلك عن اي سلطة سياسية، بتحول زعماؤها وشيوخها الى مشاريع رجال سياسية محترفين ، يفاوضون ويستعملون لغة الحوار وقوة المنطق وسلاح الاقناع، لتحقيق مكاسب سياسية في وجود سطوة قانونية تحكم الجميع، تحتمي مره اخرى بالثورة كما احتمت كل الاطراف، لان الثورة كانت هي الشرعية التي تحمي الجميع امام النظام، ولن يحمي الثورة الا تحولها لمشروع سياسي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق