الخميس، أكتوبر 06، 2011

توريث الأبناء كان النهاية بين الإمام يحيى والرئيس صالح.. هل يعيد التاريخ نفسه


يوميات الثورة /مأرب برس –عامر الدميني
حلت الذكرى التاسعة والاربعون على ثورة سبتمبر وفي هذه المناسبة نحاول في هذه المادة استقراء ملامح الحكم والسياسة في عهد حكم الإمام يحيى (1904-1948م) و علي عبدالله صالح (1978- ) كونهما يعدان أطول من حكم اليمن خلال قرن ونصف تقريباً.
ورغم أن يحيى حكم اليمن في إطار الحكم الملكي، وصالح حكمها في العهد الجمهوري إلا أن هناك كثيرا من أوجه الشبه والتطابق في حكم الرجلين خاصة في الجانب السياسي أو في التعاطي مع القضايا والأحداث الداخلية والعلاقات الخارجية وإدارة الدولة وعوامل النكوص.
 ومن المعروف أن الظواهر السياسية تقوم على مبدأين الثابت والمتغير والثابت هو الأحداث التي تحدث كالثورات والانقلابات والحروب.. أياً كانت أسبابها ودوافعها، أما المتغير فهم الأشخاص والظروف التي يوجدون فيها، ويصبح الزمن هنا الإطار المفتوح الذي تتسلسل فيه الأحداث وتتجدد معه الشخصيات.
فالحرب التي قادها الإمام يحيى وقبله أبوه على الأتراك كانت حدثاً ثورياً، والثورة ذاتها هي التي قام بها الدستوريون على الإمام يحيى في عام 1948م وهي الثورة أيضاً التي فجرها الأحرار عام 1962م ضد أسرة آل حميد الدين، فظلت الثورات باقية متجددة لمختلف الأسباب كجانب ثابت، بينما اختلفت الشخصيات من حدث لأخر كجانب متغير وهذا ما يميز حركة التاريخ التي توصف بالديناميكية، فالتاريخ كما يقول علماؤه يعيد نفسه ولكن بشخصيات وظروف مختلفة ولأسباب ودوافع قد تكون متشابهة ومتطابقة. وفي هذه المادة نستعرض أبرز معالم عهد الرجلين المتطابقة من حيث صعودهما إلى الحكم وطريقة إدارة الدولة والعوامل التي أدت إلى اهتزاز حكميهما.
صعود الرجلين إلى الحكم
يقول المؤرخ محمد زبارة في كتابه المشهور "نزهة النظر في رجال القرن الرابع عشر" "أنه بعد وفاة الإمام الهادي شرف الدين بن محمد 1307هـ كتب علماء صعدة إلى الإمام محمد بن يحيى (والد الإمام يحيى) وأجمعوا رأيهم على مبايعته وحثوه على الخروج من صنعاء وبايعوه بالإمامة وأعلنوه إماماً على الطائفة الزيدية واليمن عموماً".
ومعلوم عن هذا الرجل (والد يحيى) أنه ينحدر من الفرع الرابع للإمام القاسم وهو من أطلق لقب آل حميد الدين على أسرته ومملكته وليس هذا اللقب إسماً لأحد أجداد هذه الأسرة كما يعتقد البعض، وعرف عنه صرامته الشديدة في حرب الأتراك وقتالهم وإخضاعه لمعظم مناطق اليمن تحت حكمه وقد حاصر صنعاء مرتين و كان مثقفاً واسع الإطلاع وهو مؤلف كتاب "منتهى المرام في شرح آيات الأحكام"، وكان على اتصال مع المفكر الإسلامي عبدالرحمن الكواكبي مؤلف كتاب "طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد"، كما كان على تواصل مع الطائفة الشيعية في العراق والتي بعثت إليه بقصيدة ومن بعض أبياتها:
ُمر وانه واحكم فأنت اليوم ممتثل
 والأمر أمرك لا ما تأمر الدول
الدولة اليوم في أبناء فاطمة
 بشرى فقد رجعت أيامنا الأول
محمد اليوم قد أحيى بني حسن
 كأنهم قط ما ماتوا ولا قتلوا
ولما توفي الإمام محمد بن يحيى اجتمعت القبائل من قفلة عذر وصنعاء وذمار وصعدة وبايعوا الإمام يحيى بالإمامة خلفاً لأبيه ويتحدث بعض المؤرخين هنا عن تحفظ كثير من أهل الحل والعقد عن مبايعة الإمام يحيى خاصة من الطائفة الزيدية كونه ورث الإمامة من أبيه ولم تنطبق عليه الشروط الأربعة عشر للإمامة كاملة وخاصة الشرط المتعلق بالكرم حيث أن الإمام يحيى كان معروفاً بالبخل والتقتير مما يتنافى مع شروط الامامة.
إذاً وصل الإمام يحيى للحكم بوراثته من أبيه كونه كان مقاتلاً للأتراك وتواجدهم في اليمن ويصفهم القاضي عبدالله الشماحي انهم اثنان من اشهر اربعة يمنيين قاتلوا الاتراك بضراوة. وأعلن يحيى مواصلة القتال ضد الأتراك متخذاً من هذا المبدأ وسيلة لتجميع القبائل والشخصيات اليمنية حوله كونه زعيماً حربياً ووارثاً شرعياً للحكم الزيدي حتى وصفته جريدة الأهرام المصرية حينذاك بالقول "إن الإمام يحيى هو زعيم الزيدية ووارثها الشرعي من عهد جده الأكبر زيد بن علي".
بالنسبة لعلي عبدالله صالح فإن طريقة اختياره ليكون رئيساً لم تُعرف بعد وما ظهر لنا من روايات تذهب إلى القول بأن الدولة كانت في فراغ ومنصب الرئيس كان يتخوف منه الجميع وانبرى صالح ليؤكد استعداده لتولي الحكم، لكن من اختار صالح؟ ومن شجعه؟ ومن ناصره وسانده؟ جميعها خفايا لم نعرفها بعد.
ومن المعلوم أن الرؤساء يصنعون ومن يتولى صناعتهم إما المؤسسات كالأحزاب والتيارات أو المكونات الاجتماعية كالقبيلة وغيرها وذلك بعد توفر الشروط المؤهلة للرئاسة، وإذا كانت الطائفة الزيدية قد اختارت وبايعت يحيى وقدمته للحكم بحكم الرصيد الذي امتلكه والده من قتال ضد الأتراك فمن صنع علي عبدالله صالح؟ وما المؤهلات التي اكتسبها ليتم الدفع به كرئيس؟
إدارة الدولة في حكم يحيى
كانت فترة حكم الإمام يحيى مليئة بالاضطرابات الداخلية والحروب مع أطراف محلية وخارجية، فمنذ تسلمه الحكم سعى يحيى إلى بسط نفوذه على مناطق اليمن وواصل القتال والثورة ضد الأتراك وقامت في وجهه عدة انتفاضات كانتفاضة حاشد والزرانيق والمقاطرة ومعارضة الحسن الضحياني في صعدة له وظهر الإدريسي في الشمال بينما كان الجنوب يرزح تحت وطأة الاحتلال البريطاني ويمكن من خلال التقسيم التالي معرفة كيف كانت سنوات حكم الإمام يحيى:
- 1904- 1918 كانت المقاومة والقتال مع الأتراك والمناوشات مع الانجليز.
- 1919- 1932 كانت الحروب مع القبائل وإخماد الانتفاضات.
- 1932- 1934 كانت الحروب مع السعودية والأدارسة والتي انتهت باتفاقية الطائف.
- 1935- 1948 كانت الحركة الوطنية المعارضة قد بدأت بالتشكل ودخلت طور المواجهة مع الإمام وانتهت بثورة 48م.
ويتضح أن الصراعات في عهد الإمام يحيى طغت بشكل كبير ولم تسمح الأحداث للدولة الجديدة في تثبيت دعائم الحكم والإنطلاق نحو عملية البناء الداخلي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة، وقد ساعدت شخصية الإمام يحيى الانعزالية الذي لم يغادر اليمن أبداً ولم ير البحر في حياته على اطباق العزلة على الشعب اليمني، ويصفه الوكيل الأول لحكومة بريطانيا في عدن هارولد انجرامز (1940- 1942م) بأنه كان شيخاً ذكياً قادراً على أن يزن الأمور في ضوء ما يعرفه عن العالم على عزل اليمن عن مجريات الأحداث الخارجية والتوجس من الأجانب.
ورغم سياسة الانغلاق التي كان ينتهجها يحيى في حياته للحفاظ على مملكته لكنه أوجد البنية التحتية للدولة اليمنية الحديثة وزرع بيده النواة الأولى للحركة الوطنية فقد أبقى على التقسيم الإداري للدولة الموروث من الأتراك وفتح المدرسة العلمية ومدرسة الأيتام اللتين تخرج منهما رجال الحركة الوطنية والعلوم بصنعاء والمدرسة الشمسية بذمار وبعث بالطلاب اليمنيين للدراسة في العراق وأصدر أول تشريع بتنظيم الشؤون الصحية في اليمن وكان له دور كبير في إنشاء الجامعة العربية وحركة عدم الإنحياز التي انضمت إليها اليمن وعقد العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وظل متمسكا بتحقيق الوحدة اليمنية رافضاً الاعتراف باتفاقية الحدود بين تركيا وبريطانيا عام 1904م معتبراً أن الشطر الجنوبي هو القطعة الأخرى من اللحمة اليمنية التي فصلها الاستعمار وستعود لتلتحم بالوصلة الأم في الوقت المناسب.
وكان الأمن والعدل سائداً في أيام الإمام يحيى الذي كان وثيق الصلة بالشعب فيخرج إليهم ويلتقي بهم في أغلب الأوقات ويحكي عنه كاتب فرنسي بأن أهالي صنعاء جميعاً كانوا يعرفون إذا عاد مرض النقرس للإمام.
ورغم هذا لم تخلُ سنوات حكم الإمام يحيى من السياسات الخاطئة والكبوات القاتلة فقد سعى يحيى إلى إرغام القبائل على الولاء له من خلال نظام الرهائن واسند لأبنائه قيادة المحافظات والجيش وجمع سلطات الدولة كلها بيده وكان هو المرجع لكل أمور الدولة وشؤونها.
ولم يكن المجلس الوزاري الذي أنشأه وأغلبه من أبنائه يستطيع البت في أي أمر إلا بعد الرجوع للإمام، ويحكي دبلوماسي روسي موقفاً يعكس مدى تدخل الإمام في كل صغيرة وكبيرة فعندما كان حسين الكبسي ممثلاً لليمن في جامعة الدول العربية كلفه الإمام يحيى بالاستماع إلى خطابات ممثلي الدول العربية الأخرى وإبلاغه وحذره من التكلم في أي حال من الأحوال، وفي أي مسألة، وعلى ضوء هذه التعليمات ظل الكبسي حاضراً لمؤتمرات الجامعة لكن في صمت مطبق حتى قيل وقتها أن الفنانة المصرية أم كلثوم حضرت أحد الاستقبالات الدبلوماسية في القاهرة وطُلب منها أن تقدم أغنية فردت بالقول "أنها ستؤدي دور حسين الكبسي" أي أنها ستصمت وتستمع فحسب؟
لقد عمل الإمام يحيى على المصاهرة مع أبرز القبائل لضمان ولائها وسعى منذ اليوم الأول لتوليه إلى التنكر لمن ساندوه قبل أن يصل للحكم فانقلب عليهم وعزلهم واستبدلهم بشخصيات جديدة شديدة الولاء له. أما سياسة الإمام الخارجية فقد كانت تحكمها المصالح التي يدركها الإمام فوثق علاقته مع إيطاليا لكونها على خلاف مع بريطانيا وعقد معاهدات أخرى مع بلجيكا وفرنسا والإتحاد السوفيتي والسعودية بحسب الظروف التي كان ينظر إليها.
وتتلخص أبرز السياسات المتبعة في حكم الإمام يحيى في فشله في بناء مشروع الدولة الحديثة من خلال احتفاظ الإمام بكل الصلاحيات في يده بما فيها السلطة التنفيذية حتى أن الأجانب لم يكونوا يدخلون اليمن إلا بتصريح خطي منه.
وتكريس الإعلام لخدمته وتمجيده والإشادة به، وخلق الخصومات بين القبائل لإضعاف دورها، وإخضاع القضاء لسلطته المطلقة. وكانت المناصب في الدولة تمنح للبيوت القريبة من الإمام والمناصرة له والمعروفة بولائها للمذهب الزيدي واقتصرت جهود الإمام على تعزيز سلطته الفردية وبناء دولته ولم يسمح لأحد بالمشاركة واقتصرت مهام مشائخ القبائل على لعب دور الوسيط بين الإمام والرعية.
وعمد الإمام إلى إخراس كل لسان يعارضه وينتقد طريقة حكمه وكان المروق والزندقة من نصيب من يدلي برأي يعاكس رأي الإمام.
وكان الإمام يشرعن لحكمه وبقائه في الحكم بأنه ضروري من أجل تجنيب اليمن الوقوع في أيدي الدول الأجنبية (النصرانية) وأن تصبح فريسة لها، وكان يستبق مطالب المعارضة بإصدار أوامر لإجراء بعض الإصلاحات الشكلية حتى لا يتأثر الشعب بمطالب ونضال المعارضة. وكان عهد الإمام يحيى كما يصفه البردوني يتسم بأقل الظواهر العصرية وكان أغلبها إرثاً من الاحتلال التركي كالمحطات اللاسلكية والمطبعة الوحيدة.
الدولة في عهد صالح:
من الجدير هنا أن نشير إلى أن عهد الرئيس صالح لم تتناوله الكتب والدراسات بشكل مستفيض إلا النذر اليسير من بعض الكتب التي لم تدخل البلاد أو الدراسات المحلية التي تقدم مضامينها على استحياء أو التقارير الدولية التي تبدو مكررة من عام لأخر.
أما الدراسات النقدية فلم تظهر بعد وربما يعود ذلك إلى ان حكم صالح لازال مستمرا ومن الصعب قراءته والحكم عليه، اضافة الى عدم جرأة البعض على الإفصاح عن الطرق الخفية التي يدير بها صالح الحكم، غير أن الواقع يبدو أكبر برهان لدراسة حال اليمن أثناء حكم صالح. وربما كان هناك فرق كبير بين عهد حكم الإمام يحيى وصالح بحكم الانفتاح على الجوار والإقليم والغرب الذي تم بعد ثورة سبتمبر وتوسع في عهد صالح، وهناك فترات زاهية في حكم صالح مرت بها اليمن لكن ما لبثت أن توارت لتدخل اليمن في عهد جديد يكاد يكون مشابه للوضع أيام الإمام.
فصالح كرئيس اتبع نظام الإمام في المصاهرة كوسيلة لكسب ود بعض القبائل وأمان جانبها، وشجع بعض القبائل ومنحها المناصب بينما اضعف البعض الأخر، ودعم بعضها بالسلاح والمال ليبقى الخلاف والقتال مستمراً بين جميع الأطراف.
ومثلما تنكر الإمام يحيى لأعوانه والقادة الذين آزروه في حربه ضد الأتراك بعد توليه الإمامة، تنكر صالح لمن ساندوه من الشخصيات والأحزاب فسعى إلى إقصاء الشركاء وإخراجهم من دائرة الحكم بأسباب وأساليب مختلفة واستبدلهم بشخصيات تدين له بالولاء وتعترف له بالطاعة وتحارب من أجله. ويبدو واضحاً بالمقارنة بين العهد الإمامي ان صالح استطاع ان يوجه الإعلام والصحافة لتمجيده وتفخيمه وتغطية خروجه ودخوله تماماً مثلما

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق