الأحد، أكتوبر 09، 2011

صانعة السلام بقلم :منى صفوان


حين يكون الرهان على المرأة كصانعة للسلام فإن عقيدة التغيير والثورة تصبح سلمية فعلا!
أخيرا تم إنصاف توكل كرمان، بعد الجحود والظلم، بعد حرب شنت باسم الدفاع عن سلمية الثورة، لدرجة وصلت لاتهام توكل بالتسبب بقتل الشباب. ولكن قبل إنصاف "جائزة نوبل" كان هناك من يقف إلى جانب شخصية مغامرة، ويتفق معها في كثير من أفكار التصعيد، والأهم أنهم لا يرونها مدعية أو باحثة شهرة، وليست مذنبة بحق أحد، ولعل أهم شهادة حصلت عليها كانت من المحامي هائل سلام والد الشهيد "نزار" والذي رأى أنها بريئة من دم ابنه، الذي سقط ضمن شهداء 11 مايو، ولعل الوسط السياسي والحقوقي كان يصفي حساباته الشخصية والقديمة مع توكل. بطريقة ترجعنا لعهد الصراع المر الذي عاشه اليمن ويود التخلص منه.
لكن الشباب الذين خرجوا يهتفون باسم توكل في جمعة «ابراهيم الحمدي» اثبتوا أنهم متخففين من الأحقاد الشخصية وأكدوا أننا في عصر مختلف له قواعد أخرى وزعامات أخرى، وحتى طريقة أخرى في إدارة الصراع، وإننا فعلا جيل تجاوز الماضي بكل جروحه وأحقاده ولسنا مسؤولين عن أخطاء الساسة الكبار لنكرر طريقتهم في إدارة الصراع اليوم، أو غدا في إدارة البلاد.
فإن لم نتعلم في الثورة كيف ندير اختلافنا فلن نستطيع تغيير اليمن غدا، فليس مطلوب منا أن نتفق ونتشابه، بالعكس اختلافنا هو المطلوب لكن دون النقد الجارح أو الاتهام الظالم أو التسفيه لأي عمل نزيه وصادق، وثق أنه لا يوجد عمل في العالم دون أخطاء، لكن تبقى النية والإخلاص والصدق هم قيمة أي عمل مهما كان.
ثورتنا اسمها «ثورة التغيير» والتغيير ليس تغيير حاكم بآخر ولا نظام بنظام، التغيير هو تغيير السلوك والفكر، وإن كنا سنبدأ منذ الآن بتأسيس بذور صراع جديد لليمن القادم، فإن الثورة وإن أسقطت نظام الأسرة الحاكمة فلن تغير اليمن، فخلال الثورة تعالت الكثير من الأصوات المحسوبة على الثورة أو حتى المتعاطفة معها، لتنتقد بصوت جارح الكثير من الأسماء أبرزها توكل كرمان، وأضف للقائمة حميد الأحمر وعلي محسن الأحمر والإصلاح والمشترك، مذكرين الجميع بتاريخهم، وكأن المرحلة الأولى من إسقاط نظام الأسرة الحاكمة قد انتهت، لنبدأ المرحلة الثانية من الثورة، أو كأن مشكلتنا الأهم مع حميد وعلي محسن وليست مع علي عبد الله صالح.
وإن كنا لم نحسم بعد أمر الأسرة الحاكمة، فإن أي اتهام أو هجوم على أي من الأشخاص أو الكيانات السياسية التي انضمت للثورة يلغم مسار الثورة، فيؤخرها إن لم يفجرها، وقد يعمل ضد الثورة ولمصلحة النظام، حتى لو لم تكن النية حاضرة في هذا المسار، ففي أجواء الاتهامات التي تحكمها الحسابات والآراء الشخصية وليست القيم العامة تهزم الروح المعنوية للشباب وتفكك الدائرة الخانقة للنظام، و يفتت المشروع الكبير الذي يستحق التضحية والعناية. والأهم أنه حتى لو كانت هناك جرائم وأخطاء فلا يجوز التحدث عنها في هذا التوقيت لأنه يؤخر فكرة الحساب العادل الذي نؤسس له بفتح الملفات القديمة كلها تحت راية الدولة المدنية دولة القانون، فمن أخلاقيات هذه الثقافة المدنية أن لا تفتح الملفات إلا في بيئة سياسية وقانونية مناسبة لإجراء محاكمات عادلة.
فيتم بذلك تشويه صورة الثورة بأنها ليست أكثر من غسيل أفعال لكثير من الشخصيات السياسية والعسكرية والدينية، ولكن الثورة السلمية تعني أولا بحسب ثقافة السلام أن نتصالح مع أنفسنا ولا نجر أحقادنا الشخصية لساحة الصراع، و نؤسس لبيئة قانوني- إنسانية تحاسب الجميع.
قد تكون من ضرورات هذه المرحلة، أنه لا يجب أن نتحدث عن الاختلاف بقدر ما نذكر أنفسنا بما نحن متشابهون ونقوي نقاط التشابه. وبعد إنهاء المرحلة الأولى فإن ثورة السلام ستمضي في مسارها لتصحيح كل أخطاء وجرائم الماضي وتحاسب الجميع بمعيار العدل والقانون والإنسانية.
إن الثورة الثانية التي ننتظرها جميعا، لن تكون ثورة ساحات ولا اعتصامات ولا كفاح سلمي، بل ستكون ثورة تنوير وعمل إنها ثورة ثقافية كبرى، تستهدف أي قوى رجعيه لمحاولة إكمال مشروع الدولة المدنية الليبرالية، لتغير فكر الأحزاب الشمولية أو الثقافات العصبية القبلية، أو السطوة الدينية، أو حتى النفوذ العسكري، ليخرج المشروع المدني من عباءة القبيلة، وتحول الأحزاب الدينية والفئوية إلى أحزاب مدنية، وتبرز قيادات شابة جديدة، ويتحول الجيش لمؤسسة وطنية، وتحقيق هذا الهدف لن يكون بالنيل الشخصي من بعض الشخصيات القبلية أو العسكرية، دون أن يعني هذا عدم فتح الملفات القديمة لاحقا.
فحين يسود القانون والعدل، لن يكون هناك أحد فوق القانون ومن حق الشباب أن يتركوا يعملون بهدوء لترسيخ ثقافة السلم والقانون، لكن فتح هذا الملف في هذا الوقت لا يعني أي عدالة قانونية ولا يحقق أي هدف، ولا يثير سوى الأحقاد الشخصية، ويوتر الأجواء ويقع تحت طائلة تصفيه الحسابات الشخصية و يضرب الثورة في مقتل.
الثورة السلمية تعني ثقافة السلام، وثقافة السلام قد تفهمها النساء أكثر من الرجال لأسباب كثير ثقافية واجتماعية وربما بيلوجية حتى، وهذا ليس من الغريب أن تعطى جائزة نوبل للسلام لهذا العام للنساء، وكون أن توكل كرمان الشابة اليمنية أصبحت أول عربية تحصل عليها وأصغر شخص نال الجائزة منذ تأسيسها، فإن هذا هو الإنصاف للنساء عموما وللعربيات اللواتي كن في الصفوف الأولى في الربيع العربي فقد ترشحت للجائزة ناشطتان مصرية وتونسية، ولكن فوز الناشطة اليمنية هو إنصاف لها واعتراف بحقها الشخصي أولا في دورها الحماسي والمحرض في الثورة.
فليس مطلوب من توكل التي غادرت منزلها وأطفالها وحياة الرفاه مبكرا جدا، أن تكون منظرة الثورة ولا المفكرة السياسية الكبيرة، لتهتم بحساب العواقب وتشتغل بالتكتيك السياسي الآن، فهي قائدة الميدان، وهي من تبث الحماس في الشباب وتعطي للثورة روحها، ومن تغامر وتصنع الحدث وتستفز بقية الأطراف للمبادرة وتعطي للشباب قوة وثقة بأنفسهم، فهم ليسوا تابعين لتوكل بل متفقين مع توكل ، فلا توجد ثورة في العالم دون قائد ودون نظرية ثورية.
لذا توكل أثبتت فعلا أنها أهم قادة هذه الثورة، وأثبتت أن اليمن بيئة مناسبة لحكم النساء ولثقافة السلام وأنه ليس بلاد العنف، وحان الوقت لأن نؤكد ثقافتنا اليمنية، ونؤكد وحدتنا في الساحة خلف قادة نثق فيهم، فالشباب المتخفف من كل الأحقاد الشخصية والذي لا ينقصه لا الوعي ولا الخبرة ولا الرؤية يصلح أن يبرز منه عشرات القادة للثورة، ويؤهلون أنفسهم لحكم اليمن غدا بطريقة أخرى غير تلك التي حكمت بها النخب السياسية والحقوقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق