الأحد، أكتوبر 23، 2011

ناصري؟ أم إخوان؟

يوميات الثورة/ بقلم- عبدالرحمن يوسف القرضاوي
قال لي صديقي‏(‏ الناصري‏):‏ نريدك أن تشرفنا صباح السبت‏23‏ يوليو أمام ضريح الرئيس العظيم جمال عبدالناصر ـ رحمه الله ـ لقراءة الفاتحة في عيد ثورة الثالث والعشرين من يوليو‏.‏
قلت له: آسف يا صديقي.
قال: لماذا؟ ألا تحب عبدالناصر؟ أتشك في إنجازات ثورة يوليو؟
قلت: ليس الأمر مسألة حب أو بغض.
قال: إذن.. أنت إخوان؟
قلت: لم أحضر أي احتفالية أو ندوة أو أمسية في مئوية حسن البنا التي مرت منذ أعوام.. تماما كما أعتذر الآن عن الحضور معكم أمام ضريح عبدالناصر.
قال: إذن ما المشكلة؟
وبغض النظر عن نهاية الحوار بيني وبين صديقي( الناصري) الذي أحترمه وأقدره كثيرا, فإنني أشعر برغبة في توضيح وجهة نظري في هذا الموضوع.
لابد أن نقف ضد تقديس الأشخاص: الأحياء, والأموات.
لن يستفيد الناصريون بحضوري أمام الضريح في عيد الثورة, ولن يتضرر الإخوان بغيابي في مئوية البنا, فكلاهما( عبدالناصر والبنا) قد نال من تقديس أتباعه الكثير.
كما أنني ضد استمرار المعارك للأبد, فليست المشكلة في التقديس فقط, بل المصيبة الكبري أن الجراح بهذه الطريقة لا تلتئم, والمعارك لا تنتهي.

ما أحرص الفريقين( الناصريين والإخوان) علي أن تظل مصر تراوح مكانها, لا تتقدم, بل تتأخر, ويظل الناس في المعارك نفسها التي انتهت منذ عقود, فنجد قادة الفريقين وكأنهم يورثون المعارك بأحقادها للأبناء, والأبناء بدورهم قد ورثوها للأحفاد, ولا أبالغ وأقول إن الجيل الرابع الآن قد ورث الأحقاد الخبيثة نفسها التي تأصلت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي, قد يفعلون ذلك بدون قصد, ولكن هذا ما يحدث.

في مرة شاء القدر أن أحضر نقاشا مشتعلا( كاد يتحول لاشتباك بالأيدي) بين شباب لم يكملوا العشرين من أعمارهم, كانوا يتحدثون عن حادثة المنشية وكأنها حدثت أمس, وحين تحدثت مع هؤلاء الشباب وجدت كل فرد منهم قد تمثل أباه, بكل ما يحمله من حقد تجاه أفكار أو أشخاص, بدون أن يعرفوا حقيقة ما جري بالفعل, فلا هؤلاء يعرفون حقيقة عبدالناصر, ولا هؤلاء يعرفون حقيقة الإخوان.
يا عقلاء الفريقين.. لا معني لما يحدث!
ولا مستفيد من هذه المعارك المفتعلة غير الراغبين في الاستيلاء علي ثورة يناير العظيمة, وهؤلاء القوم لا علاقة لهم بفكر عبدالناصر, ولا علاقة لهم بدين الإخوان, فبأي منطق أعوج نستمر في إشعال نار خلافات ماتت منذ أربعين سنة؟
لقد حكم عبدالناصر مصر, وله ما له, وعليه ما عليه, ورحل إلي ربه, وانقلب السادات علي عبدالناصر, وأصبحت الدولة المصرية اليوم لا علاقة لها بدولة عبدالناصر, وبالتالي لا معني لعملية شيطنة عبدالناصر, لأن حقبته انتهت!
ولا معني أيضا لعملية تصوير الإخوان وكأنهم أساس تخلف مصر, أو علي أساس أنهم مشروع الاستبداد القادم الذي سيهلك الحرث والنسل.

المشكلة الآن في ثورة معرضة للاختطاف, ولو كان في المعارضة المصرية عقلاء لاتحد الجميع من أجل إسقاط هذا المخطط, بدلا من اجترار أحقاد تاريخية لا يستفيد منها سوي أعداء مصر في الداخل والخارج.
إن شرعية يوليو قد انتهت منذ أربعين عاما, كما صرح بذلك مؤرخ ومنظر تلك المرحلة الأستاذ محمد حسنين هيكل, فقد قال: إن شرعية يوليو انتهت بوفاة عبدالناصر, لكنها انتهت رسميا بقيام ثورة يناير, وشرعية الإخوان انتهت بانتهاء النظام الذي كانوا يعارضونه, وانتهت كذلك بقيام شرعية يناير, وستصبح الشرعية منذ هذه اللحظة لمن يكسب أصوات الناس في انتخابات حرة.
ولهذه الشرعية الجديدة خصائص أولاها: أنها شرعية مشروطة, فهي تتمد علي برنامج معين تعهد به الحزب الذي كسب الانتخابات.
والخاصة الثانية أنها شرعية مؤقتة, فمن يحصل علي أعلي الأصوات يحكم وفقا للقانون لمدة محددة, وبعدها تسحب الثقة منه أو تجدد له.
وفي جميع الأحوال مضي عهد الشرعية التي تمتد أكثر من نصف قرن, وليس في تلك إهانة لثورة يوليو, وليس في ذلك إهانة للزعيم جمال عبدالناصر, لكنها سنة الحياة.
ستظل ثورة يوليو فصلا مجيدا من تاريخنا المصري, وستظل إنجازاتها ملء السمع والبصر, لكن دولة يوليو قد انتهت بثورة يناير.
وسيظل الإخوان المسلمون فصيلا مهما في الحياة السياسية, وسيكتب التاريخ عن معارضتهم لكل أشكال الاستبداد فصولا مشرقة, ولكن الشرعية الآن ليست إلا للصندوق الانتخابي.
سيحترم التاريخ كل الذين أسهموا في رفعة شأن مصر, في موقع الحكم, أو في موقع المعارضة, لكن اليوم والمستقبل مرهونان بإرادة الأمة.
هل سيسمع صراخي أحد؟
لا أدري..
كل ما أخشاه الآن أن تتحول التعليقات علي هذه المقالة إلي عراك بين الناصريين والإخوان!
سترك يارب
نقلا عن موقع الاهرام 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق